الوعي الذاتي يعد من المؤثرات التي يكتسبها الإنسان في مرحلة الطفولة المبكرة، والطفل يتكون لديه هذا الوعي خلال عملية التنشئة عن طريق اكتسابه لقيم والديه ، ولأوامرهما ونواهيهما، وأفكارهما عن الصواب والخطأ، وعن الخير والشر، وتتبلور في نفسه هذه القيم على شكل سلطة داخلية تقوم مقام الوالدين – حتى في غيابهما – فيما يقومان به من نقد وتوجيه وإثابة وعقاب.
وبعد مرحلة الطفولة المبكرة تتداخل أيدٍ أخرى لتسهم في تشكيل الوعي الذاتي للفرد تكون بمثابة المصادر التي تبني الوعي الذاتي في داخل وجدان كلّ منّا لذا يعتبر الوعي الذاتي متغيراً وليس ثابتاً، فهو ينمو بنمو خبرات الإنسان، ويتغير بتغيير توجهاته، ويتأثر إيجاباً بالتعزيز وبالمحيط الجيد، ويتأثر سلباً بوجود المؤثرات السلبية التي قد تكون عاملاً ضاغطاً على الإنسان.
ماهي مهارة الوعي بالذات؟

يعرف الوعي بالذات على أنه القدرة على رؤية نفسك بوضوح والحصول على وجهة نظر موضوعية من خلال التأمل والتفكير. وتعتمد على كونك شخص يراقب أفكاره. يمكننا العيش ببساطة دون التفكير أو الانتباه لأنفسنا من الداخل ولكن عند التفكر وملاحظة أفكارنا بطريقة عكسية يمنحنا ذلك سيطرة أفضل على أنفسنا وأفكارنا.
ويمكننا وصف الوعي بالذات على أنه الاختلاف الذي يحدث بين نظرتك ورؤيتك لنفسك وبين نظرة الناس لك. وهذا يعني أنه كلما كان لديك وعي ذاتي وحسي عالي، كلما كنت قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة والاعتناء برفاهيتك ومرونتك والتناغم مع احتياجات الآخرين. بالإضافة إلى أنه يمنحك شعور الثقة بالنفس والابداع والرضا عن الذات حيال ما تقوم به.
ماهي فوائد الوعي بالذات؟
- ١- بناء علاقات أفضل: من الصعب أن تحدّد ما تريد الحصول عليه وما تحتاجه في علاقة معيّنة ما لم تكن واضحًا بخصوص هذه الأمور بينك وبين نفسك. بالإضافة إلى ذلك، كلّما كان وعيك بذاتك متدنّيًا، أصبح من السهل عليك أن تكون دفاعيًا أكثر في تعاملك مع الغير، وهذا ما يؤدي إلى انهيار العلاقات بكافة أنواعها. إذا كنت تريد بناء علاقات أفضل مع زملائك أو أصدقائك أو شريك حياتك، ابدأ بالتعرف على ذاتك أوّلاً!
- ٢- تحسين المزاج: يعتمد مزاجنا واختلاف مشاعرنا من وقت لآخر اعتمادًا كبيرًا على قرارنا الشخصي بكيفية التفكير أو التصرّف. وحينما نحسّن وعيَنَا بالعلاقات المتبادلة بين أفكارنا وتصرّفاتنا ومشاعرنا، سيصبح من السهل للغاية التحكّم في هذه المشاعر وتنظيمها، ممّا يؤدي بلا شكّ إلى تحسين المزاج.
- ٣- تطوير مهارات اتخاذ القرارات: تأتي القرارات السيئة في غالب الأحيان نتيجة للأفكار المتضاربة، وردّات الفعل العاطفية القويّة. لذا، عندما نصبح أكثر وعيًا بأنماط تفكيرنا ومشاعرنا، سيصبح في وسعنا التمييز بين الرغبات الفجائية السريعة، وبين القيم والأهداف طويلة الأمد. حينما ندرك هذا الأمر، سنصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات سليمة مبنية على دراسة وتفكير منظّم، وليس مجرّد رغبات جامحة عابرة.
- ٤- تعزيز مهارات التواصل الفعال: عندما تمتلك وعيًا أكبر بما تؤمن به وتريده حقًا، سيصبح في وسعك التواصل بشكل أفضل في مختلف مجالات الحياة، سواءً مع مديرك في العمل، أصدقائك المقرّبين، أو شريك حياتك. كلّما عرفت نفسك أكثر، أصبح من السهل التواصل مع الآخرين بحزم، وصار بإمكانك التعبير عن رغباتك بصدق، بل واحترام الآخرين ورغباتهم أيضًا.
- ٥- رفع الإنتاجية: إنّ السبب الحقيقي وراء التأجيل والتسويف وتراجع الإنتاجية لا يتعلّق بالافتقار إلى الالتزام أو الجهد المبذول في العمل، وإنّما بمشاعر وأسباب أخرى داخلية. حينما تواجه صعوبة في الذهاب إلى العمل، فذلك مردّه في العادة أنّ أفكارًا أو مشاعر أو عاداتٍ محدّدة تقف في طريقك. لذا فإنّ تحسين وعيك بذاتك سيسهم بشكل كبير في التخلّص من جزء كبير من هذه المعيقات التي تقف في طرق إنتاجيتك.
ماهو رأي علم النفس في الوعي الذاتي؟
يصف أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان بالمعهد القومي للجهاز العصبي والحركي بمصر الدكتور إيهاب هندي، الوعي الذاتي بأنه “الخطوة الأولى” في أي علاج نفسي حقيقي، وفي أي تغيير بحياة المرء عموما، ويقول إن “الوعي الذاتي هو أن يدرك الشخص أدواته، وأن يعي مشاكله، ومواطن التميز والخلل لديه بصدق”.

ويشير هندي إلى أن أهم المعوقات التي تقف حائلا أمام هذا الوعي هي عدم رغبة المرء في معرفة ذاته، “فالإنكار نقيض الوعي، وهو وسيلة دفاعية للإنسان ليظهر أنه بخير ولا يعاني من أي مشاكل. والإنكار يقود إلى التنصل من المسؤولية عن الأحداث والنفس والآخرين، هكذا تجد الكثيرين يحملون مسؤولية ما يجري لهم في الحياة للظروف، أو العائلة، أو البيئة أو أي شيء آخر، وذلك لأن الشعور بالمسؤولية، يتبعه وضع الخطط واتخاذ الخطوات من أجل إحداث التغيير المطلوب، لذا يميل بعضهم للحل الأسهل بإلقاء اللوم على الآخرين”.
ويقول الطبيب المتخصص في علاج الاضطرابات النفسية للبالغين والمراهقين، إن الوعي الذاتي يبدأ حين يكف المرء عن ادعاء أنه بخير وهو ليس كذلك، “وللبدء عليك تحديد مشاكلك بدقة، ومواطن قوتك وضعفك، والإيمان أنك مسؤول مسؤولية كاملة عن نفسك، وتصرفاتك، وعن اتخاذ خطوات حقيقية نحو التغيير للأفضل، هذا يحتاج إلى قوة وشجاعة لمواجهة الحقيقة وإن كانت مؤلمة”.
وينصح هندي بضرورة زرع الوعي الذاتي لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم، “فالوعي بالذات والشعور بالمسؤولية وجهان لعملة واحدة، لهذا تجد لدى البعض وعيا كافيا بذواتهم، ولا تجده لدى آخرين بسبب طريقة التربية، وسلوك الأهل، هل كان الأهل يتحملون مسؤولية أفعالهم ويعالجون المشكلات بمواجهتها أم بإنكارها والهروب منها؟”.
يتكون الوعي الذاتي من 5 عناصر أساسية يمثل استيعابها، والعمل بها ركيزة أساسية للبدء في فهم النفس، هي:
- الوعي بالتجارب الداخلية، بما في ذلك العواطف والأفكار.
- معرفة الذات، وأن يفهم المرء من هو وما معتقداته وقيمه ودوافعه.
- الذكاء العاطفي، ويعني القدرة على فهم وإدارة العواطف.
- قبول الذات، ويتضمن إظهار التعاطف واللطف ناحية النفس.
- التأمل الذاتي، ويتضمن القدرة على التفكير بعمق في المشاعر والأفكار والأهداف من أجل الحصول على إجابة لأهم سؤالين “من أنا وما مكاني في العالم”.
كيف تزيد الوعي الذاتي لديك؟
يعتمد بعض الناس على أنفسهم في ممارسة الوعي الذاتي، بينما يلجأ آخرون إلى الحصول على مساعدة من أجل فهم أفضل لأنفسهم، لكنْ ثمة طرق ينصح بها أطباء النفس لتنمية الوعي بالذات، أهمها:
- ممارسة التأمل والوعي بالأفكار والمشاعر الداخلية.
- التدوين وكتابة اليوميات حول كيفية التفكير وأسباب التصرفات والنقاط التي تحتاج التطوير حقا.
- العلاج المعرفي السلوكي، حيث يساعد المعالج في هذه الحالة على تحديد الأفكار والتصرفات السلبية وأسبابها.
- تنمية الذكاء العاطفي عبر تعلم كيفية التعبير عن المشاعر بطريقة صحيحة، وممارسة الاستماع الفعال.
- الوعي المعتدل عبر إدراك الفارق الكبير بين الوعي الذاتي الطبيعي، والوعي الذاتي المفرط الذي قد يقود إلى اضطراب القلق الاجتماعي.
المراجع







[…] كيف أعرف أن لدي وعي ذاتي؟ مقالات ذات صلة FacebookTwitterEmailWhatsApp […]
[…] كيف أعرف أن لدي وعي ذاتي؟ مقالات ذات صلة […]