مراجعة كتاب| انقطاعات الموت
للكاتب الحاصل على جائزة نوبل للأدب خوزيه ساراماجو
“وفي اليوم التالي لم يمت أحد“
انقطاعات الموت
بهذه العبارة يستضيفنا الكاتب خوزيه ساراماغو كقُراء، وفي هذه العبارة تكمن الحكاية.
فماذا لو قرر الموت أن يهجر مدينة ما؟
أي أنك لن تفقد أحبابك، ولن تشعر بمرارة الفراق، وسيعمر الجميع ويخلدون على هذه الأرض، ويرى الأجداد الأحفاد، وحين تكون وحيدًا لن تهاجمك تلك الذكريات لأحد الذين اختطفهم الموت.
قد يبدو لأول وهلة أن حلم البشرية في الخلود قد تحقق إلا أنه بأبسط الأسئلة مثل: ماذا عن الأشخاص الذين توقفوا على عتبة الموت؟ ستدرك أن لهذا الحلم تبعات كافية لتحويله لكابوس.
“جميعنا نبدو لعيون الموت قبيحون“
ملحمة مختلفة ومميزة وعجيبة، تختلف في طريقة السرد، والعمق في طرح التساؤلات، والبحث الدقيق عن الأجوبة، لا يمكن أن تمر عليك الصفحات مرور الكرام بل ستعوم في داخلها كثيرًا، وسيصعب عليك أحيانًا أن تتخطاها.
هل سبق وأن دخل أحدهم في عمق الموت وحاول تجريده ليكون للعالم واضحًا؟
هنا جرني سارماغو معه بقوة وكأنه يدعوني لمشاهدة حدث عظيم لا يتكرر كثيرًا
فيدخلنا في مدينة مجهولة لا اسم لها، ولا لشخصياتها حتى، ليثني بطريقة غريبة وجميلة وعبقرية على الموت.
صوّر ساراماغو الموت بشخصية أنثى اسمها (موت) والتي تقرر في لحظة ما، أن توقف الحركة الطبيعة للحياة .. بإيقاف الموت.
فيجول بنا هنا وهناك لنشهد حال المدينة بعدما علموا بأن الموت توقف، وانتشوا بسحر الخلود الذي أعجبهم، إلا أن الفرحة التي خالجت صدورهِم، لم تدم طويلًا!
حيث أن الأسئلة بدأت تظهر والإجابات تضيع، لماذا الموت توقف هنا دون باقي العالم ؟
ماذا يعني أنه ليس هناك موت ؟ وماهي الطريقة الأنسب لأولئك العالقون مابين الحياة والموت؟ الذين يرون الحياة من ثقب بائس .
غياب الموت أحدث فوضى عارمة؛ فالناس يشيخون ولا يموتون، يمرضون ولا يموتون، يحتضرون ولا يموتون.
“فمن أجل قدر ضئيل من الحياة يكون عدم الحياة أفضل“
نجح الكاتب في هذه الرواية بطرح موضوع مهيب وسوداوي كالموت بأسلوب ساخر وجميل يصوّر الحياة
وهي تخدعنا، فما نلبث رغم حرصنا إلا نقع في شراكها.
الخلود الذي صوّره ساراماغو كان خلودًا يشبه الجحيم، حيث أن كل جسد سيتمكن من الخلود؛ إلا أن خلوده لا يمنعه عن منغصات الحياة من الهرم والأمراض والوعكات، هذا الخلود لا راحة فيه ، حيث أن كل شيء سيموت في الإنسان من صحة وشباب ولن يبقى سوى جسد هرِم يظل يعيش ويلات العذاب بهذه الأوجاع.
ليس هذا فحسب؛ بل ستطرح الرواية معضلات أخلاقية واجتماعية وسياسية تجعلك تدرك أن الخلود ليس إلا قيد لا يحررنا منه إلا الموت.
فماذا كانت دوافع (موت) وكيف ستتصرف تجاه الكارثة التي سببتها؟
إعداد: محمد القرني
إلقاء: روناء
معالجة صوتية: سارة الحمد
بودكاست وقت على تويتر @podcastwaqt
من هو خوزيه ساراماغو

جوزيه ساراماغو كان كاتبًا برتغاليًا بارزًا، وُلد في 16 نوفمبر 1922 في قرية أزيناغا في البرتغال. بدأ حياته المهنية كصحفي ومترجم قبل أن يتحول إلى الكتابة الأدبية. حصل على جائزة نوبل للأدب في عام 1998، مما جعله أول كاتب برتغالي يحصل على هذه الجائزة.
من أشهر أعماله رواية “العمى” التي تتناول قصة مدينة يصاب سكانها بالعمى فجأة، مما يؤدي إلى انهيار النظام الاجتماعي والأخلاقي. كما كتب رواية “الإنجيل يرويه المسيح” التي أثارت جدلاً واسعًا بسبب تناولها الجريء للمواضيع الدينية.
ساراماغو كان معروفًا بأسلوبه الفريد في الكتابة، حيث كان يستخدم الجمل الطويلة والنقاط القليلة، مما يعطي نصوصه طابعًا مميزًا. كان أيضًا ناشطًا سياسيًا، حيث كان مؤيدًا للشيوعية اللاسلطوية وانتقد بشدة الأنظمة السياسية والدينية.
ما هي جائزة نوبل للأدب
جائزة نوبل للأدب هي واحدة من الجوائز الخمس الأصلية التي أسسها ألفريد نوبل، المخترع السويدي، في وصيته عام 1895. تُمنح الجائزة سنويًا للأدباء الذين قدموا إسهامات بارزة في مجال الأدب، سواء كانت في شكل روايات، قصص قصيرة، شعر، مسرحيات، أو حتى مقالات. تُعتبر جائزة نوبل للأدب واحدة من أرفع الجوائز الأدبية في العالم، وتُمنح من قبل الأكاديمية السويدية في ستوكهولم.
تُمنح الجائزة للأدباء من جميع أنحاء العالم بغض النظر عن جنسيتهم أو لغتهم، وقد حصل عليها العديد من الأدباء البارزين مثل غابرييل غارسيا ماركيز، إرنست همنغواي، وتوني موريسون. الجائزة تشمل ميدالية ذهبية، شهادة، ومبلغ مالي كبير.
