في 10 أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية. وفي عام 2024، يتمحور اليوم حول موضوع مهم: “الصحة النفسية في العمل”. العمل يشكل جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومية، وهو ليس فقط وسيلة لكسب العيش، بل قد يكون أيضًا مصدرًا للتوتر أو السعادة. السؤال هنا: هل يوفر مكان عملك بيئة تدعم صحتك النفسية؟
العمل والصحة النفسية: علاقة لا يمكن تجاهلها
قد يبدو العمل للبعض فرصة للإبداع والإنجاز، بينما يعتبره آخرون مصدرًا للضغوط والتوتر. لكن ما يجب أن ندركه هو أن بيئة العمل يمكن أن تكون عاملًا حاسمًا في تحسين صحتنا النفسية أو تدهورها. العمل في بيئة داعمة يشبه إلى حد كبير العيش في منزل مريح إذا كانت الظروف مناسبة، تشعر بالراحة، وإذا كانت سيئة، تشعر بالتعب والتوتر.

ما مدى انتشار الأمراض النفسية؟
تُعتبر الأمراض النفسية من أكثر الحالات الصحية شيوعًا فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأرقام التالية تعكس واقعًا يستحق الانتباه:
• أكثر من 1 من كل 5 بالغين يعيشون مع مرض نفسي.
• أكثر من 1 من كل 5 شباب (تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا) قد مرّوا أو يمرّون خلال حياتهم بمرض نفسي يعيق حياتهم بشكل كبير.
• حوالي 1 من كل 25 بالغًا يعاني من مرض نفسي خطير، مثل الفصام، الاضطراب ثنائي القطب، أو الاكتئاب الشديد.
هذه الإحصائيات تظهر بوضوح أن الأمراض النفسية ليست نادرة، بل هي واقع يواجهه العديد من الأشخاص يوميًا، ما يجعل من المهم جدًا التركيز على تعزيز الوعي والدعم لهم.
دور منظمة الصحة العالمية
تلعب منظمة الصحة العالمية دورًا رياديًا في تعزيز الصحة النفسية عالميًا، وتعمل على تطوير سياسات جديدة تهدف إلى تحسين بيئات العمل. من خلال تعزيز الوعي وتنفيذ برامج تدريبية، تسعى المنظمة لجعل الرعاية النفسية متاحة للجميع، بغض النظر عن مكانهم أو ظروفهم الاقتصادية.
١- تحسين السياسات: دعم الحكومات في تطوير سياسات صحية نفسية مبنية على الأدلة العلمية.
٢-تعزيز الرعاية المجتمعية: توفير الدعم النفسي للجميع.
٣/البحث والتطوير: الاستثمار في أبحاث تعزز من فهمنا لاضطرابات الصحة النفسية.
رعاية الصحية النفسية والعلاج: الوصول والدعم المجتمعي
في إطار تعزيز الصحة النفسية، من الضروري ليس فقط حماية الرفاهية النفسية للجميع، بل أيضًا تقديم الرعاية المناسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية. تحقيق ذلك يتم عبر الرعاية النفسية المجتمعية، التي تتفوق على الرعاية المؤسسية التقليدية من حيث الوصول والقبول.

تشمل الرعاية النفسية المجتمعية:
١-خدمات الصحة النفسية المتكاملة في الرعاية الصحية العامة، مثل المستشفيات العامة ومقدمي الرعاية في الرعاية الأولية.
٢-خدمات الصحة النفسية المجتمعية، التي قد تشمل مراكز الصحة النفسية المجتمعية، التأهيل النفسي الاجتماعي، وخدمات الدعم المعيشي.
٣-خدمات الرعاية النفسية في السياقات غير الصحية مثل حماية الأطفال، المدارس، والسجون.
الفجوة الكبيرة في علاج الاكتئاب والقلق تستدعي إيجاد طرق مبتكرة لتوسيع نطاق الرعاية، مثل استخدام الاستشارات النفسية غير المتخصصة أو تقديم الدعم الرقمي عبر الإنترنت
لماذا العمل يؤثر على صحتنا النفسية؟
إذا كنت تعمل في بيئة مليئة بالضغوط، فقد تشعر بالإرهاق النفسي، ولكن إذا كنت في بيئة تشجع على التواصل والانفتاح، فمن الممكن أن تتحسن صحتك النفسية بشكل كبير. وفقًا لـمنظمة الصحة العالمية، ظروف العمل غير الصحية مثل التمييز أو التحرش تؤدي إلى تدهور الصحة النفسية للموظفين.
ومن هنا، يجب على أصحاب العمل أن يدركوا أن توفير بيئة عمل صحية نفسيًا يعود بالنفع على الجميع: الموظفين والإدارة. الموظف السعيد يعني إنتاجية أفضل وعملًا أكثر احترافية.
كيف نخلق بيئة عمل صحية نفسياً؟
من السهل أن نشكو من الضغوطات في العمل، لكن الحل يكمن في كيفية إدارة هذه الضغوط وتحويل بيئة العمل إلى مكان داعم. إليك بعض الأفكار التي يمكن أن تجعل العمل أكثر راحة:
- المرونة في العمل: تقديم ساعات عمل مرنة يخفف من الضغوط ويساعد على تحقيق التوازن بين العمل والحياة.
- التواصل الفعّال: التحدث بصراحة عن الضغوطات والمشكلات يعزز من جودة العلاقة بين الموظفين ويقلل من التوتر.
- دعم الصحة النفسية: تقديم استشارات نفسية داخل الشركات يخلق بيئة داعمة نفسيًا.

نصائح لتحسين صحتك النفسية في العمل
أحيانًا، تحتاج إلى اتخاذ خطوات صغيرة لتحسين صحتك النفسية في العمل. إليك بعض النصائح:
- خذ استراحات قصيرة: القليل من الراحة يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في تحسين تركيزك.
- تواصل مع زملائك: علاقاتك بزملاء العمل يمكن أن تكون مصدرًا للدعم النفسي.
- لا تتردد في طلب المساعدة: إذا شعرت بالإرهاق، لا تتردد في طلب الدعم من مديرك أو مختص نفسي.
دعوة للتغيير: لنجعل بيئة العمل أكثر دعمًا:
توفير بيئة عمل تدعم الصحة النفسية لم يعد خيارًا بل ضرورة. الشركات التي تهتم بصحة موظفيها النفسية تجد فرقًا في مستوى الإنتاجية والإبداع. كلما شعر الموظفون بالدعم والراحة في بيئات عملهم، كانوا أكثر استعدادًا للإبداع والابتكار.
إذا كنا نرغب في بناء مستقبل أفضل، علينا أن نبدأ من بيئات العمل التي نقضي فيها معظم حياتنا. بإمكان الجميع – أفرادًا وشركات – العمل سويًا لتحسين الصحة النفسية في العمل وجعل الحياة المهنية أكثر راحة وسعادة.
المصادر:
١- https://www.who.int/campaigns/world-mental-health-day/2024
٢- https://www.cdc.gov/mentalhealth/learn/index.htm
٣- https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/mental-health-strengthening-our-response






