ابحث هنا

المُراسلات الإلكترونية، حمّالة أوجه!

تحِلُّ المراسلات الإلكترونية في حياتنا اليوم محلّ الصدارة، فلم يبق شخص على وجه هذه البسيطة لم يعتمد هذا النوع من التواصل، حتى الأطفال اللذين لا يعرفون القراءة والكتابة، يستخدمون المراسلات الإلكترونية لأرسال رموز تعبيرية أو صور بشكل عشوائي وعفوي.

person sitting inside car with black android smartphone turned on
Photo by Roman Pohorecki on Pexels.com

مثلما يتميز كل شخص منا بخط وطريقة كتابة يدوية مختلفة كذلك ينطبق الأمر على التراسل الإلكتروني حيث يستخدم كلٌ منّا أسلوبه الخاص، ومن خلال التواصل مع أشخاص مختلفين ومتعددين يمكن التمييز بسهولة بين أسلوب وطريقة كل شخص فيهم، فهنالك من يعتني بكتابته بشكل بالغ الدقة حتى ولو جعله ذلك يتأخر في الرد، يكتب الحركات على كل كلمة، يضع الفواصل والنقاط وعلامات الاستفهام والتعجب في مكانها المناسب تمامًا، يستثمر معرفته في اللغة العربية وما درسه عنها خير استثمار. ولقد صادفني شخصياً هكذا نوع، لدرجة إن القارئ لرسائلهم يمكنه أن يُلاحظ مقدار الجُهد الذي تكبّده صاحب الرسالة لتظهر بهذا الكمال وقد يُركز القارئ على هذا الجهد مبتعداً لبضع لحظات عن الفكرة الأساسية للحديث. وهنالك نوع آخر يهتم بكتابته بدرجة أقل، فهو يستخدم الحركات الإعرابية والتنقيط بشكل عقلاني طبيعي بحيث تتنظم الفكرة المُراد توصيلها بشكل شامل ومفهوم.

وهنالك نوع آخر لا يهتم مطلقاً لهذه الكماليات، المهم أن يكتب بشكل واضح ويُوصل ما يُريد إيصاله، ويذهب البعض لممارسة أساليب تثير الغضب والإزعاج، مثل إرسال كل كلمة برسالة منفصلة، ولك أن تتخيل كم هو مؤلم صوت الإشعارات وهي تتكرر 50 مرة في دقيقة واحدة. من جهةٍ أخرى هنالك من لا يهتم مطلقاً للأخطاء الإملائية مهما كانت فادحة ويتركها كما هي دون تصحيح لدرجة أن تكون أخطاء مثيرة للضحك. ومنهم من يكتب بشكل ركيك أو إنه يكون مستعجلاً جداً لدرجة إنك تحتاج لأن تتمعن في الكلام مرارًا لتفهم فكرته أو ماذا يقصد بهذه الكلمة أو تلك، فلا تدري هل تخبره بأنك لم تفهم شيئاً أم تستمر في محاولات فك شيفرتها!.

إن الاعتناء بنمط الكتابة في المراسلات الإلكترونية بات واجباً لا خَيار، فهي وسيلة تواصل جامدة ميتة، لا تنقل نبرة الصوت ولا ابتسامة الوجه ولا لحن الكلمات التي تُكتب، فقد تبدو الـ (مرحباً) المجرّدة من أي إضافات، ثقيلة وصاحبها متجهم الوجه، بينما تبدو لآخر قادمة من شخص مبتسم ومتفائل ومشرق! فلا أبالغ إذ قلت أن التنوين بصغره قد يُحدث فرقاً. وهلُّم جراً، ينطبق الأمر على كل الكلمات الأخرى خلال المحادثة، فكل شيء قابل للتأويل، وهذا ما يُمكن أن يُدخل المرء في مشاكل لا حصر لها، خاصةً مع الأشخاص اللذين يولون أهمية كبيرة للتواصل النصيّ إلكترونياً.

unrecognizable ladies messaging smartphones on street
Photo by Tim Douglas on Pexels.com

يمكن أن يتسبب الأمر بتغيير مزاج كامل للأسوأ أو للأفضل، وكذلك قد يُنشب مشكلة تودي إلى جِدال، أو خصام أو حتى قطيعة بسبب كلمات غير منطوقة وحمّالة أوجه. يتجنب معظم الناس هذه الأزمة بإضافة رموز تعبيرية وملصقات، أو حتى تنقيط مناسب، حيث تبدو جملة (أفتقدك) المجرّدة مختلفة عن (أفتقدك.) وكذلك تختلف عن (أفتقدك…) لا يمكن تخيّل كيف لنقطة أو ثلاث أن تجعل نكهة الحديث كله مختلف بل وتغيّر في نوايا المُرسِل.

 أصبح الهاتف اليوم يقوم بأبرز المَهام، نقرات سريعة وتستطيع كتابة كل أفكارك، يساعدك في ذلك تنبؤ لوحة المفاتيح، والتصحيح التلقائي للأخطاء والكثير من التسهيلات الأخرى ولا يستطيع أحد أن ينكر أن التطور التكنولوجي بسّط الكثير من جوانب الحياة الحاضرة، خاصةً مع استمرار الشركات المصنعة لتطبيقات المراسلات بإضافة مزايا جديدة ومتطورة مع كل تحديث، إلا إنه على صعيد آخر جمّد العديد من مُتع الحياة، أفسد نكهة التواصل الفعليّ، الاهتمام المخلص، والمحبة النقية، حيث يمكن للمراسلة الإلكترونية اليوم أن توصل رسائل مزيّفة، عبارات لا أساس لها من الصحة، اهتمام مصطنع، ورموز تعبيرية مخادعة تَبرمج العقل على ربطها بمشاعر ثابتة، فلا يمكن لشخص أن يضع رمز قلبٍ أحمر إلا وهو يحبك بالفعل، ولا قلبٌ أبيض إلا وهو يشعر معك بالسلام، كما يُعتقد.

women sitting on a balcony drinking coffee
Photo by Nina zeynep güler 🦕 on Pexels.com

تختلف النوايا والأفكار البشرية اختلافاً كبيراً، لكن التعامل مع هذا النوع الجديد من المراسلة بات أمراً حتمياً لا مناص منه، والحذر فيه أصبح واجباً على كلٍ منا، فكلمة واحدة، نقطة واحدة، ورمز تعبيريّ واحد كفيلٌ بقلب الأمور رأساً على عقب. إن المراسلات الإلكترونية اليوم سلاح ذو حديّن، فهي تستطيع أن تطوّر العلاقات الاجتماعية أو قد تهدمها بالكامل، ومها تنوعت وتعددت تطبيقات ومغريات هذا النوع من التواصل، فلا شيء يُقارن بجلسةٍ صُحبة رفيقٍ عزيز وفنجانيّ قهوة.

شاركنا رأيك

اقرأ أكثر:

سلسلة الفن | قوة السينما

تتمتع السينما بتأثير جدير بالاعتبار، فكثير منا يتذكر بإعجاب بعض مشاهد الأفلام، والأدوار التي يؤديها الممثلين فيها تترك فينا أثراً قوياً. الفيلم هو...

هل تعاني من رهاب السعادة؟

ورضيتُ بالخسارة: عن الخوف من السعادات والبهجة البراقة “خفتُ من جمالكِ لأنه كانَ جميلاً، كما أنني كنتُ أضعف من أن أسكنَ صاعقته، أو أن أعومَ في...

الصحافة في مصر أداة النهضة

كانت مصر من الدول العربية الأولى التي أدخلت الصحافة إلى نسيجها، وخلال فترة من الزمن وسلاسل من التحديات استطاعت تحويل الأداة التي جاء بها المستعمر...

%d bloggers like this:
Verified by MonsterInsights