في زمنٍ يضجُ بالاستهلاك اليومي المستمر لكافة أنواع المنتجات والخدمات والأطعمة، يمكنك اليوم أن ترى إعلاناً تجارياً حيثما تلتفت، في لوحات إعلانية على الطُرقات أو الجدران، في برامج وتطبيقات هاتفك الذكي، في التلفاز، الصحف، المجلات، شاشات إعلانات الشوارع، الملصقات الترويجية، واجهات المحلات، والكثير غيرها، بل وحتى إن لم تكن متابعاً أو مشتركاً في أي صفحة أو حساب تجاريّ، سيظهر لك إعلاناً ممولاً يُرغمك على مشاهدته. تتخذ معظم هذه الإعلانات الوجه الأنثوي كعامل جذب رئيسي في موادها الترويجية، وتلجأ الوكالات وشركات الإعلانات إلى استخدام المرأة كعنصر للتأثير في سلوك المستهلك، لدفعه إلى الشراء أو لجذبه إلى خدمة أو سلعة أو فكرة معيّنة. في إعلانات السيارات، الأدوات المنزلية، أجهزة المساج، المواد الغذائية، الخدمات العامة، العيادات، تطبيقات التسوق، المجوهرات، آلات الحلاقة، العطور، الأجهزة الإلكترونية، المطاعم، وغيرها الكثير من المنتجات التي تروج لها الفواصل الإعلانية في أجهزة التلفزة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والتي يمكن أن يُلاحظ دون عناء بأن العامل المشترك بين جميع هذه الإعلانات هو النساء. حيث يرى المروجين أنه لا يمكن أن يكتمل إعلان ويحقق الانتشار والتأثير اللازمين دون استخدام عنصر أنثوي فيه.
توظيف المرأة بالإعلانات يعتبر الاستخدام الأكثر شيوعاً اليوم، ولسوء الحظ، أن هذا هو النموذج الأنجح وفق العديد من الدراسات عن أرباح المنتجات المُعلن عنها بملصقات المرأة وجسدها وزيادة مبيعاتها. ولذلك فإن التسويق يكاد لا يخلو من المرأة؛ والأمر الذي يثير الاستهجان هو طريقة ترويج المرأة لمنتجات لا تمت لها بصلة كمنتجات رجالية بحتة.

ولأن للإعلام الدور الرئيس في تنشئة الأجيال المتلاحقة من الشباب والعنصر الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير جذري في البنية الفكرية للأفراد؛ تُعتبر الإعلانات وسيلة لا تقتصر على التسويق فحسب بل هي أداة تضيف وتغيّر الأفكار والأنماط الحياتية التي قد تُصبح جزءً من معتقدات مجتمع بأكمله بل وقد تُعيد برمجته بالكامل مع تتابع بثها على المدى البعيد. حيث أن لكل مجتمع تطلعاته وعاداته التي تستغلها الإعلانات طمعاً في المشاهدين وأملاً في زيادة الأرباح وجذب المستهلكين.
تُجبل الأنثى في المجتمعات الشرقية والعربية على وجه الخصوص من خلال تربية الأسرة الصغيرة والكبيرة والأقارب والأباعد والمجتمع بشكل عام على تأطير أنوثتها وفق معايير مُقررة من قِبل المجتمع. وخلال مسيرة حياتها الكاملة يجب أن تكون في سعي دائم لوضع إشارة(تم) أمام كل نقطة من هذه المقاييس لكي تحصل على الرِضا لمباركة تمام أنوثتها ليس بنظرها بل بنظر هذا المجتمع ومن فيه من كبيرهم حتى صغيرهم.
البشرة البيضاء الناصعة، الشعر الكثيف بالطول الفلاني، الوزن الذي لا تكون فيه نحيفة جداً ولا بدينة جداً، بل القوام الذي يجعلها محل إعجاب وإبهار للجنس الآخر مما يحقق لها الفرص الأكبر والأفضل للاقتران. إضافةً لشكل العين وكثافة الحواجب والرموش واكتناز الشفتين والوجه المشدود والشباب الدائم والبشرة الصحية اليانعة والنظافة الدائمة والمزاج البنفسجي المستمر واليد الحريرية والأظافر اللامعة والقدمين الناعمتين مثل أقدام الأطفال. ناهيك عن مثالية السلوك والحفاظ على مستوى واحد للصوت واعتماد ابتسامة خفيفة لا هي بالضحك الذي يُفقدها وقارها ولا هي معدومة تجعل من ملامحها تميل للكآبة، والخجل والحياء الذي لا يرافقه ضعف شخصية، بل خجلٌ مع مستوى من الثقافة والجرأة (المهذبة) وقول كلمة الحق والدفاع عن النفس وأن تكون واعية قارئة تفقه في السياسة والاقتصاد وآخر أخبار الكوكب شريطة أن لا تخوض نقاشات تُدخلها في أمور (تخص الرجال)، عليها الحفاظ على محدودية في الفهم بحيث يمكنها دائماً أن تعود للحديث عن طريقة سلق البقوليات وكيف ينتفخ الكيك بطريقة مثالية.

وعلى الجانب الآخر يتعلم الرجل القوة والبأس، وأنه مهما توافرت فيه أمور مُعيبة أو نقائص فهو كاملٌ بذكوريته، لا شيء يمكن أن ينتقصُ منه أو يُغير حقيقة كونه ذكر له الأولوية في العيش بالطريقة التي يُحبها. لا يُعاب الرجل على شكل جسده أو وجهه، لا يُطالب بمعايير دقيقة من النظافة والعناية بالذات، مهما كان جسده غير صحي ويجر معه أرطالاً من الشحوم فلا يضيره ذلك.
تستغل الحملات الترويجية اليوم طرق نفعية مدروسة لكافة جوانب المرأة، كثير من النساء المحجبات والملتزمات يسهل التأثير عليهم بسبب هشاشة الوعي وعدم وجود دعامة قوية تحجب عنها الاستغلال الخارجي، متخذين من طريقة التنشئة الاجتماعية عاملاً مساعداً وثغرة متينة، فسرعان ما يُصبحن مشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي وشيئاً فشيئاً يبدأ الأمر بإعلان بسيط عن عطر ثم تصوير مقرب لعدسات عين من ماركة شهيرة، وينتهي الأمر بإعلانات ملابس ومنتجات تتعارض كلياً مع الاحتشام والمبادئ الإسلامية التي كرّمت المرأة وصانت جمالها وجلالها وأبعدت عنها نظرات الشهوة والطمع.

لمواجهة (تسليع) المرأة يجب أن يكون هناك وعي وبالذات عند المرأة نفسها لكي تحفظ بذلك حقها في العفة، وهذه المواجهة لا تُحل بسهولة لأنها تخطت حدود الأخلاقيات العامة وتغلغلت بالمجتمع و بنسيجه ولذلك فإن (نية) الإصلاح والتغيير وحدها لا تكفي. بل يجب أن يكون هنالك قرار جمعي بين كافة جهات الدولة والمجتمع لمواجهة هذه السلوكيات الوصولية، وأن توّعى النساء حول حقيقة أنهنّ أصبحنّ أداة يُتحكم بها وتعرض في وسائل إعلانية لتحقق المتعة البصرية للرائي، عليها أن تعلم أن الجمال الذي تتمتع به لم يُخلق ليروّج لماكينة حلاقة أو خلاط منزلي، أن تعرف قدر نفسها وأن الله أعزّها في حين أن المجتمع يأبى إلا أن يُذلها.