ابحث هنا

الجزء الثاني: الوعي بالذات و الشخصية السيكوباتية

هناك الكثير من الدلائل التجريبية التي تشير الى ان الأشخاص الذين لا يكترثون بآلام الآخرين او خوفهم او حزنهم يجدون صعوبة في اندماجهم اجتماعيا. فلإستجاباتنا العاطفية تجاه الاخرين أهمية في تكوين أخلاقنا ومدى رعايتنا للآخرين.

6/ الشخصية السيكوباتية:

والمثال النموذجي للشخصية غير المكترثه بمشاعر الآخرين هي الشخصية السيكوباتيه، وهو اضطراب عقلي يتميز بالبرود العاطفي وضعف الوازع الأخلاقي, يتمثل في نمط من الشخصية يعتقد ان نسبتها في المجتمع ١٪؜، وحوالي ٢٠ الى ٣٠٪؜ من المساجين الرجال والنساء. وهم يختلفون عن المجرمين غير السيكوباتيين في انهم مسئولون عن كم كبير من الجرائم المتكررة والعنف في المجتمع. وتكون جوهر صفات هذة الشخصية في الانحرافات الاجتماعية, والنقص الشديد لديهم في تعاطفهم مع الآخرين وقلة احساسهم بالندم على السلوكيات الغير اخلاقية. ويتسمون أيضاً في العلاقات الاجتماعية بتكلس المشاعر والضحالة والسطحية وعدم اكتراثهم بالقيم الاجتماعية والقوانين مع فهمهم لهذة المعايير الأخلاقية، وهم يجدون صعوبة في تنظيم عواطفهم والتحكم بها، كما أنهم ليس لديهم استبصار بتأثير تصرفاتهم على الآخرين.

فالسيكوباتي هو شخص لا يشعر بالمسئولية وخال من الضمير، شخص يتجاهل الواجبات الاجتماعية وأصول العلاقات بين الناس. وليس لديه أي خوف من العقاب. فقد اثبتت الدراسات الفيزيولوجية العصبية ان السيكوباتيين لا يتوقعون الخطر المحدق ولا يظهرون اية تفاعلات عند التعرض للعقاب. وقد وجد ان الأشخاص الذين يحصلون على درجات أعلى في مقياس السيكوباتية يفهمون جيدا المعايير الأخلاقية ولكنهم يتجاهلونها. فسلوكهم ليس ناتجا عن عدم فهمهم للمعايير ولكن لعدم قدرتهم على الربط بين العقل والمشاعر في كبح السلوكيات المؤذية والغير اخلاقية، فهم يطلقون العنان لمشاعرهم السلبية بطريقة تمنعهم من التعاطف مع الآخرين.

تتميز بعض العواطف التي نشعر بها بأنها تعمل على منع الشخص من انتهاك الأعراف الاجتماعية، فالاحساس بالذنب والخجل مثلا يتيح للشخص ان يجعل الآخرين يفهمون انه كان واعياً بان مافعله كان خطأً، وانه قد اثار العواطف السلبية عند الآخرين, فهذة العواطف الأخلاقية تساعد المجتمع بشكل عام على الحفاظ على علاقاته الاجتماعية. كما إن الوعي بالأحاسيس الداخلية للعواطف كالجوع والعطش مرورًا بالرغبة بالحياة العاطفية والشهوات، كل ذلك يخضع لنظام كلي يتمحور حول الوعي الذاتي لدينا. والوعي الذاتي حقيقة ذاتية متجسدة وإن معرفتنا بذواتنا مهمة جدا لسلامة الذات لإرتباطها بالإحساس بالصحة النفسية والاعتداد بالنفس

7/ فماهو الوعي الذاتي :

في العموم فإن معظم الناس لا يدركون بكل دقة ماذا يكون في أعماق شخصيتهم، فاكتشاف النفس يحتاج إلى وقت طويل ومستمر فلا وجود لنهاية في اكتشاف الإنسان لنفسه إلا عند الموت، فكلما أكتشفنا ما بداخلنا ازدادت قوة شخصيتنا أكثر فأكثر وسنفكر معها بطريقة أفضل، وسينعكس ذلك على تصرفاتنا لتكون سليمة وصحية حتى ننجز بشكل أفضل ومتميز. ولتحسين وعينا الذاتي بأنفسنا يجب أن نركز على مواطن القوة ومواطن الضعف في شخصيتنا وأن نعرف ما يعجبنا أو لا يعجبنا, بمعنى أن علينا أن نفهم ذواتنا ونتقبل عيوبنا لأن في الأعتراف نصف الحل.

الوعي الذاتي هو إحساس حاد بوعي الذات (هو الانشغال بالذات). فعندما نحس أننا مراقبين أو ملاحظين قد يُحدث هذا فينا شعور غير سار بأن “الجميع ينظر” إلى دواخلنا. بعض الناس عادة أكثر وعيًا بالذات من غيرها. شعور الوعي الذاتي غير السار يكون مصحوبًا أحيانًا بالخجل أو الشعور بالزور. ووفقًا لـ شوبنهاور من الممكن أن يختار الشخص من خلال وعيه الذاتي بين أن يثبت إرادته أو ينكرها. فالوعي الذاتي يعني أن نفهم انفسنا بطريقة سلمية وصحية وبأسلوب أفضل.

كيف نصل الى الاحساس بالشعور الوجداني للآخرين ؟

الأعتماد كثيراً على المستويين الاخيرين وهم التقمص الادراكي سيفيدنا لوضع حلول للاخر استنادا لفهم الموقف والمشاعر التي يخوضها, اما المستوى الاعقد فهو العزو الى تخيل مشاعر الاخر اذا اردنا ان ندرك سبب تصرف الطرف الاخر فعلينا تخيل موقفه وشخصيته. فعندما يكون تصرف الاخرين متناقض وغير منطقي وغير مفهوم ابدا. تأتي هذي الحيله لوضع النقاط على الحروف، ومع ذلك فهي مجهده كثيرا في الحقيقه وغير دقيقه. فهي تعتمد على وضع الاحتمالات، فصعوبة الموقف تاتي من القدرة على توقع الشعور الدقيق ومن ثم سيناريو تطوره. فبعد وضع الاحتمالات الاولى و التالية ومقاربتها مع المعطيات ياتي تبني الاقرب الى الصحه منها، ‏وهذا معنى الادراك.. ان تدرك حقيقة شعور الاخر .. كيف بدأت مشاعره وكيف أنتهت .. ومع ذلك فالنتيجة غير دقيقه خصوصا اذا كانت المعطيات غير كافيه او ضئيلة.

فدراسة موقفين عاطفيين قصيرين لشخص معين لا تحمل معها ذات المعطيات في مقابل دراسة تجربه واحدة ثرية ومليئة بالعواطف التي تكشف حقيقة مشاعر الشخص، ‏والمعطيات في الموقف الأول تكون اما “تصرف مبهم” من الشخص او “استجابة له غير مفهومة” تجاه الموقف. فالطرف الاخر الذي يرد تقمص هذا الشخص وجدانيا يحتاج لفهم اكبر لمشاعره فكلما زادت المعطيات اصبح تخيل شعور الشخص ادق. فاذا استطعنا ان نخمن سنعرف كيف نتصرف معه ونواسيه، ‏وعندها سنعرف ما يتوجب علينا فعله للاخرين ..فهل خيار التدخل في الموقف هو حل جيد دون التسبب في ضرر اكبر نتيجة سوء تصرفنا مثلا .. ام ان خيار تقديم يد العون خيار انفع؟ ‏ام ان خيار ترك الاخرين لخوض التجربه بمفردهم دون تدخل سيكون اكثر نفعاً لهم. وماهو نوع التدخل؟ هل هو توجية ام قيادة؟ ومامقدارة؟ ! كل هذا يعتمد على دراسة المعطيات وتخمين الشعور, ‏وهذا لايعتمد على تخمين الشعور فقط انما يعتمد على تبني “منظور كامل” للاخر. اي كيف ينظر هذا الشخص بعد التجربه وبماذا يشعر وماذا يتوقع و بماذا يفكر وماذا يريد و ماذا سيفعل!! كل هذه الأسئلة ستقود للاجابه الدقيقة. ‏

فدراسة المعطيات كلما كانت دقيقه كلما كان تصورنا ادق و الاستجابه للموقف اكثر انفعاً للآخرين، و ‏هذا الادارك لوجدان الاخرين مهم جدا في التعامل والتاثير بالاخرين فالقائد صاحب الجماهيريه الكبيرة مثلا اذا اراد ان يلقي خطاب يرفع فية من روح الجماهير ويجعلهم موثر ايجابي ومتعاون معه وهذا الجمهوره خارج من تجربة حديثة مريرة ، فلالقاء هذا الخطاب المؤثر ‏يحتاج ذلك الى الذكاء العاطفي والتقمص الادراكي فالخطابات العظيمة تخرج من قلب معاناة الخطيب او من ذكاءه العاطفي في تصور منظور شامل لرؤية الجماهير ‏ومنها تاتي مرحلة اعداد الخطاب الذي سيحدث اثرة في نفوس الجماهير ومنها الى إحداث النفع والتغيير . ونعني بقلب معاناة الخطيب ان يكون الخطيب شارك الجماهير التجربه وهو جزء منهم ومنها ويدرك مشاعرهم ولديه قدرة لفظيه لإحداث خطاب مؤثر ك‏خطابات الناشط الامريكي “الاسود” مارتن لوثر كينغ، فهو جزء من المعاناة لكن ماذا لو كان المتحدث رجل ابيض! عندها هنا يظهر الجهد في دراسة معاناة هذه الفئه وفهمها وهنا يكمن التعقيد، فانت رجل ابيض تحاول احداث التغيير وانت لست جزء من المعاناة وعليه فانت تجهد لتحقيق ذلك.

شاركنا رأيك

اقرأ أكثر:

الصحافة في مصر أداة النهضة

كانت مصر من الدول العربية الأولى التي أدخلت الصحافة إلى نسيجها، وخلال فترة من الزمن وسلاسل من التحديات استطاعت تحويل الأداة التي جاء بها المستعمر...

تلخيص كتاب: إغاثة اللهفان

الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت القلب الصحيح: وهو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال الله تعالى:...

عراقيات: ليلةُ سائق

كسائقٍ سابقٍ لأحدِ شركات سيارات الأجرة أستطيع أن أقولَ إني عرفتُ الكثير عن الكثيرِ ممن لا أعرفهم، لكن إن سألتني عن إن كانَ أيّ منها قد حفرَ مكانهُ في...

الروائح، شقيقةُ الشهيق

تتمشى في الأسواق التقليدية الشعبية القديمة فتجتاحُ أنفك أنواع الروائح المختلفة، من البهارات وروائح الأقمشة المنبعثة محال الخياطة، ورائحة الجلود من...

تعوّد أن لا تتعوّد

كنتُ أتصفحُ موقعاً لوصفات الأطعمة الصحية، مررتُ على وصفات تتضمن الفاصولياء الخضراء كمكوّن أساسي فيها، تفاجأت بأن هنالك أعداداً لا نهائية من الوصفات...

عراقيات: صوتُ المِروحة

ها أنا جالسة بين جمعٍ من النساء اللاتي لا أعرف الغالب منهن، علا صوت بكائهن، أكادُ أجزم بأني أسمع فقط لا أرى، لا أستطيع التركيز ولا أنوي ذلك. بين...

%d bloggers like this:
Verified by MonsterInsights