ابحث هنا

الجزء الأول: التقمص الوجداني Empathy

يتعلم الكائن البشري أثناء نموه أن إلحاق الضرر بالآخر يعرضه للوم. وهذا الإرتباط الشرطي بين التصرف غير الأخلاقي والتعرض للعقاب هو أساس تشكيل العواطف الأخلاقية،وبخاصة الإحساس بالذنب. وقوة هذا الإقتران العاطفي بين التصرفات غيرالأخلاقية والمشاعر السلبية (كالذنب) تعزز قدرة الجنس البشري على البقاءوتساعده على الترابط الإجتماعي

مقتبس من كتاب ..

اذا ما أردنا ان نتحدث بقاموس المشاعر واردنا التعرف على مصطلح التقمص الوجداني فعلينا ان نعرف أولا ماهو التقمص الوجداني ومتى وضع هذا المصطلح؟

1/ ماهو التقمص الوجداني:

وضع هذا المصطلح في أوائل القرن العشرين لترجمة الكلمة الألمانية “Einfuhluung” والتي تعني حرفياً «الشعور بما في الداخل» وظهر هذا الاصطلاح أولًا في سياق الفن فهو يشير الى قدرتك على ان تضع نفسك محل لوحة فنية او مقطوعة موسيقية لتفهمها تمام الفهم. لكن سرعان ما انضم هذا المصطلح الى علم النفس فنجدة يشير الى (القدره على قراءة مشاعر الاخرين وادراكها والاستجابة لها بحساسية وطريقة نافعة).

2/ مالفرق بين التقمص الوجداني والتعاطف؟ :

التقمص الوجداني هو القدره على ادارك مشاعر الاخر والاحساس بها ولكن عليك ان تدرك ان هذا المصطلح يتسم بالغموض فعليك ان تعرف كيف تميز بينه وبين كثير من المفردات التي تشير الية في مختلف التخصصات, فعلى سبيل المثال قد تجد ان الفلاسفة كثيرا مايستخدمون هذا المصطلح باسم (التعاطف). وهناك ايضا بعض الخلط في التمييز بين التقمص الوجداني و التعاطف!. فعندما تستخدم مصطلح (التقمص الوجداني) عليك ان تميز بينهم, فالتعاطف هو “شعور لصالح الاخر”, اما التقمص الوجداني فهو “شعور مع الاخر”, ‏فعندما تتعاطف لصالح الآخر فانك لا تشاركه شعوره بالضروره، ذلك خلافاً عن تقمصه وجدانيا, فانك هنا تشاطره مشاعر الالم والفرح والحزن. وكم التعاطف يتباين من شخص لآخر حيث يشعر البعض بأن تقمص مشاعر الآخرين أو الإحساس بها لديهم أكثر كثافة مقارنة بغيرهم, ويُعرف هؤلاء الناس بأنهم “ذوو الإدراك فوق-الحسي “.

3/ التقمص الوجداني عاطفة مركبة:

التقمص الوجداني يعد عاطفة مركبه تحفز السلوك الاجتماعي وتمنع العدوان وتمهد الطريق للتفكير الأخلاقي. هذة العاطفة الأساسية لا تتطلب استجابة وجدانية فقط بل تتطلب منا وعياً بحالة الشخص الآخر العقلية. فلكي نهتم بالآخر فإن علينا أولاً أن نميز بين أنفسنا وبين الآخر مدركين ان الشخص الآخر هو الذي يعاني الألم ولسنا نحن. بمعنى أن الذات لديها من العتاد النفسي مايمكنها من النفاذ الى نفوس الآخرين والإحساس بهم. ولكن توجد مستويات مختلفة لمشاركتنا عواطف الاخرين بعضها بسيط وتلقائي وأما الآخر فهو مركب ومعقد.

4/ ماهي مستويات التقمص الوجداني؟ :

التقمص الوجداني ليس سلوكا واحداً، وكما قلنا فهو يختلف عن التعاطف, فالتعاطف يعني أنك تشعر بألم الطرف الآخر, أما التقمص الوجداني فهو يعني أنك تتألم معه كأن تبكي معه أو تفرح معه. وهو يندرج في مستويات مختلفة فهناك البسيط (كالعدوى العاطفية) والمعقد (كالتقمص الوجداني الادراكي)!!,

  • فمثلا ‏الترابط العاطفي بين الام و صغيرها يعد ردت فعل فسيولوجيه تلقائية والتي ربما تطورت بدورها الى درجة العدوى العاطفيه بين الافراد, وبكاء الطفل بالعدوى عند شعوره بتألم طفل آخر في الجوار يعتبر ردت فعل تلقائية ايضا. ‏
  • المستوى الثاني هو (التقمص الوجداني), وهو يتالف من سلوكيات معقده بعض الشئ ويكمن في “قدرتك” على قراءة مشاعر الاخرين وادراكها والاستجابة لها بفعالية,كسعادتك لسعادة شخص آخر, وهي ليست تلقائية كما في المستوى الأول. ‏
  • ثم مستوى اكثر تعقيدا من ذلك وهو (التقمص العاطفي الادراكي) والذي يعني قدرتك على الاحساس بمشاعر الاخر مع فهم اسباب هذا الاحساس ايضا.
  • ثم ‏اخيرا المستوى الاكثر تعقيدا على الاطلاق وهي قدرتك على (العزو) التي يمكنك من خلالها على ان تبني منظوراً لرؤية ومشاعر الآخر استناداً للخيال, كأن تحاول أن تبني منظور بخيالك لمشاعر ألم شخص لا تعرفه عن قرب.

5/ متى ينشأ ؟

تنشأ العواطف الوجدانية لدينا في العام الأول من نمونا وتنمو في سياق التفاعلات الاجتماعية ثم يتطور بالتدريج خلال سن الثلاث الى الخمس سنوات من نمونا. وفي الحقيقة فإننا في عامنا الأول نستطيع أن نشعر بمشاعر الآخرين او أن نظهر اهتمامًا بهم حينما يكونون في كرب كما في مثال بكاء الطفل بالعدوى. ومن الملاحظ هنا أن لتربية الوالدين عامل مهم ايضا في نمو الأخلاقيات لدينا, فقد وجد أن الأطفال الذين يتميزون بالأخلاق الاجتماعية قد نشأوا في بيوت تتحدث فيها الأمهات عن حل الخلافات، وأن الأطفال الذين يتميزون بمستويات عالية من الإيثار جاءنا من أسر تتميز بالدفء العاطفي.

وعلاوة على ذلك فإن الأطفال الذين تعرضوا للإيذاء غالبا ما يتفاعلون مع زملائهم بطريقة غاضبة، بينما الأطفال الذين يتمتعون بالرعاية والأمان يتعاملون مع زملائهم بالتعاطف والاهتمام. وهذا يدل على ان الخبرات الحياتية المبكرة للأطفال تشكل قدرتهم على فهم وإدارة عواطفهم وبالتالي قدرتهم على فهم عواطف الآخرين وتمثل وجداناتهم. ومن الجانب الاخر فهناك الكثير من الدلائل التجريبية التي تشير الى ان الأشخاص الذين لا يكترثون بآلام الآخرين او خوفهم او حزنهم يجدون صعوبة في اندماجهم اجتماعيا. فلإستجاباتنا العاطفية تجاه الاخرين أهمية في تكوين أخلاقنا ومدى رعايتنا للآخرين.

كما إن الوعي بالأحاسيس الداخلية للعواطف كالجوع والعطش مرورًا بالرغبة بالحياة العاطفية والشهوات، كل ذلك يخضع لنظام كلي يتمحور حول الوعي الذاتي لدينا. والوعي الذاتي حقيقة ذاتية متجسدة وإن معرفتنا بذواتنا مهمة جدا لسلامة الذات لإرتباطها بالإحساس بالصحة النفسية والاعتداد بالنفس


شاركنا رأيك

اقرأ أكثر:

الصحافة في مصر أداة النهضة

كانت مصر من الدول العربية الأولى التي أدخلت الصحافة إلى نسيجها، وخلال فترة من الزمن وسلاسل من التحديات استطاعت تحويل الأداة التي جاء بها المستعمر...

تلخيص كتاب: إغاثة اللهفان

الباب الأول: في انقسام القلوب إلى صحيح وسقيم وميت القلب الصحيح: وهو القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، كما قال الله تعالى:...

عراقيات: ليلةُ سائق

كسائقٍ سابقٍ لأحدِ شركات سيارات الأجرة أستطيع أن أقولَ إني عرفتُ الكثير عن الكثيرِ ممن لا أعرفهم، لكن إن سألتني عن إن كانَ أيّ منها قد حفرَ مكانهُ في...

الروائح، شقيقةُ الشهيق

تتمشى في الأسواق التقليدية الشعبية القديمة فتجتاحُ أنفك أنواع الروائح المختلفة، من البهارات وروائح الأقمشة المنبعثة محال الخياطة، ورائحة الجلود من...

تعوّد أن لا تتعوّد

كنتُ أتصفحُ موقعاً لوصفات الأطعمة الصحية، مررتُ على وصفات تتضمن الفاصولياء الخضراء كمكوّن أساسي فيها، تفاجأت بأن هنالك أعداداً لا نهائية من الوصفات...

عراقيات: صوتُ المِروحة

ها أنا جالسة بين جمعٍ من النساء اللاتي لا أعرف الغالب منهن، علا صوت بكائهن، أكادُ أجزم بأني أسمع فقط لا أرى، لا أستطيع التركيز ولا أنوي ذلك. بين...

%d bloggers like this:
Verified by MonsterInsights