ابحث هنا

أربع ممارسات تنظيمية مستدامة

خلال القرن الماضي كانت أكثر الشركات والمؤسسات الربحية تعتبر قضية الاستدامة خارجة عن نطاق تأثيرها وعملها. أمّا اليوم، وبتأثير التلوث المتزايد، باتت دراسة الجدوى المستدامة أمراً لا مفرّ منه لكي تثبت أيّ مؤسسة فعاليتها وجدارتها في عالم الأعمال شديد المنافسة. وشيئاً فشيئاً تزايدت أعداد المؤسسات والشركات التي تتبنى مفهوم الحصيلة الثلاثية Triple Bottom Line (TBL)، كنتيجة حتمية لإدراك صنّاع القرار لأمرين، أولهما أنّ تحقيق الأرباح المادية لا يتعارض البتّة مع تحقيق أثر بيئي أو اجتماعي إيجابي، وثانيهما أنّ اعتماد ذلك النموذج يجرّ منافع أخرى لسمعة المؤسسة وكفاءة أدائها. فما كان إلا وتولّد عن ذلك الإدراك نموذج عمل جديد كلياً يعرف بـ(مسؤولية الشركات)، إذ يتيح اتباع هذا النموذج لأي مؤسسة -حتّى للمؤسسات غير الربحية-  تحقيق أهدافها العملية والتنظيمية جنباً إلى جنب مع الأهداف الاجتماعية والبيئية.

وليست الحصيلة الثلاثية ولا مسؤولية الشركات الوسيلتين الوحيدتين لتحقيق الاستدامة التنظيمية. بل ثمة استراتيجيات أخرى تفيد المؤسسات التي تسعى لتحقيق الاستدامة التنظيمية، منها أربع ممارسات عملية تهيّء أي مؤسسة لتحقيق أهداف مستدامة عند اعتمادها.. نتناول عنها لمحة بسيطة في هذا المقال. 

1. إقامة شراكات مع مؤسسات غير ربحية

بعض الشركات الجديدة على عالم الاستدامة تستصعب تنفيذ أي مبادرات بيئية/اجتماعية ما لم تكن ضمن نطاق نشاطها وخبرتها، مما يحيجها لبذل جهود إضافية وموارد كثيرة قبل التمكّن. خاصةً عندما يتعارض ذلك مع تنظيمها المؤسسي أو ينعكس عليه سلباً، فمثلاً قد يتراجع أداء الموظف أو الفريق المكلّف بوضع خطة استدامة للشركة نتيجةً لارتباكه بمهام جديدة خارج نطاق عمله المعتاد أو مهامه الوظيفية المحددة. للتغلّب على هذا العائق، ينصح خبراء الاستدامة التنظيمية بتكوين شراكات مع منظمات غير ربحية من قطاع يهمّ الشركة، إذ معظم المنظمات غير الربحية المتخصصة تمتاز بالخبرة اللازمة والموارد والكافية لدعم المؤسسات غير المتخصصة أوالناشئة. وحتى لو لم تكفي تلك الشراكة لوضع السياسات المستدامة اللازمة، فلا ريب أنها تمنح كلا المؤسستين سمعة جيدة وتبرز اهتمامهما بالمجال. الأمر الذي يستقطب دعم الشركات المهتمة والأضخم. 

سواءً كانت مؤسستك مهتمة بحقوق العمّال أو القضايا البيئية أو الأيتام، أو أي قضية مستدامة أخرى.. فثمة احتمالية كبيرة لإيجاد مؤسسة غير ربحية تتوافق أهدافها مع أهداف مؤسستك.

2. الاستثمار في تدريب وتثقيف الموظفين

من أهمّ الركائز التي تستند عليها الشركات التي تنجح في اعتماد الاستدامة التنظيمية هي الاستثمار في رأس مالها البشري، فلا تتوانى عن تثقيف موظفيها وتدريبهم حول الاستدامة بيئياً واجتماعياً. والحق أن هذه الخطوة قد تكون أهمّ خطوة على النطاق التنظيمي الداخلي لأي شركة لعدد من الأسباب.. أولاً، تثقيف الموظفين حول القضية يعزز انتمائهم لها وإدراكهم لأهمية تلك الخطوة، ويصبحون أكثر قابلية لتنفيذ المخطط بكفاءة وجودة، وتقلّ احتمالية ركونهم للأساليب التنظيمية القديمة التي تمثل مناطق راحة بالنسبة لهم. ثانياً، تدريب المظفين ودعمهم معنوياً ومادياً يعزز روح الفريق فيهم ويشعر كلّ فرد منهم بأهميّة دوره وانعكاس أدائه على المنظمة، فينفّذ كلٌ منهم دوره بإخلاص.

أمّا وسيلة التدريب المحبّذة فيتعلّق بالقضايا التي تهتمّ بها المؤسسة. ومن ذلك مثلاً؛ توحيد بعض الشعارات العمليّة في أقسام الشركة، أو تنظيم مؤتمرات مع متخصصين عالميين عبر الشبكة العنكبوتية، أوحضور ندوات مباشرة، أو التعاقد مع جهات تدريبية متخصصة بتدريب الموارد البشرية.

3. دعم التطوع

إحدى الطرق الممتازة لإشراك المؤسسات في عملية الاستدامة، هي دعم التطوع المجتمعي في البيئة الداخلية للشركات. مثلاً، بالإمكان تشجيع الموظفين على التطوع من خلال إعطائهم إجازة تطوعية مدفوعة الأجر لمدّة يوم أو يومين كلّ عام في أي مجال بيئي أو مجتمعي. فعلى بساطة الأمر إلا أنها ممارسة تنظيمية تدعم الاستدامة على المدى الطويل. أيضاً، بالإمكان تنظيم حملة تطوعية على مستوى الشركة، فيتطوع كلّ الموظفون في يوم واحد في مؤسسة خيرية مثلاً أو في مجال ترتكز عليه الأهداف المستدامة التي تسعى لها المنظمة.

4. إعادة النظر في سلاسل التوريد

هذه الممارسة مخصصة للشركات التي تصنّع منتجات ملموسة، تحديداً. إذ يجب تقييم التزام الاستدامة في مراحل سلاسل التوريد بشكل دوري، من خلال عدّة طرق:

 

    • تعريف المصدر: هل تعرف بالضبط كيف صُنِعَت المواد التي تستوردها؟ هل البيئة المصنعية كانت آمنة على العمّال؟ حاول أن يكون المصدر الذي تستورد منه يتبع سياسات قانونية وانسانية، فلا يشغّل الأطفال مثلاً، ويهتم بتوفير بيئة آمنة وأدوات السلامة للعمّال، ولا يستخدم كيمتويات تضرّ بصحة العاملين لديه.

    • تخفيف استهلاك الموارد غير المتجددة: نادراً ما يهتم صنّاع القرار بهذه النقطة، رغم توافر الفرص للعمل عليها. اهتم بتقليل استهلاك الموارد غير القابلة للتجدد في تنفيذ عمل مؤسستك. عدّل التغليف إذا كان بلاستيكياً، أو عمليات التصنيع التي تستنفذ الكثير من المياه، أو نظّم عمليات النقل كي تقلل من استهلاك الوقود.

    • الحدّ من الانبعاثات الدفيئة: لتخفيف الانبعاثات الكربونية والدفيئة يمكنك الاستعانة بأجهزة الاستشعار الذكية في مقرّ العمل، حيث توقِف التبريد والتدفئة تلقائياً عند الاكتفاء. نقل المصنع إلى بلد الزبائن المستهدفين يقلل من الانبعاثات الكربونية التي يخلّفها النقل بشكل كبير. كما أن الاعتماد على الطاقة الشمسية او طاقة الرياح في تشغيل المصنع والمؤسسة يوفّر كل احتياج الطاقة الكهربائية.

ثمة طرق متعددة تستطيع الشركات من خلالها أن تصبح مستدامة بيئياً واجتماعياً. أمّا اعتماد واحدة من الممارسات التنظيمية المستدامة التي تطرقنا لها في هذا المقال أو كلّها فيعتمد على عوامل، منها: حجم الشركة، عدد الموظفين، نوع المنتجات والخدمات التي تقدمها الشركة، وأهداف الشركة المستدامة. وبالطبع، الشركات التي لم يسبق لها أن بادرت في مجال الاستدامة ستواجه بعض المطبات في الرحلة، لكن من خلال التجربة والتعلّم المستمر ستتلاشى شيئاً فشيئاً كل العوائق وتتحسن الممارسات المستدامة في المكان.

في عالم اليوم، لم تعد الاستدامة رفاهيّة.. ماذا ستفعل كي تساهم في تفعيلها في ياتك اليومية ومكان عملك؟

شاركنا رأيك

اقرأ أكثر:

لماذا نحلم ؟

على الرغم من طبيعة الأحلام الجامحة وغير المتوقعة، يمكن لبعض الأحلام أن تتكرر كثيراً، وفي الأغلب تكون تلك الأحلام ذات صلة بقضية ما أو مشكلة. بالطبع،...

كيف نبني لأدمغتنا قدرات عالية؟

لنلعب! الكلمة المبهجة التي تزيح عنا جدية الحياة، تثير حماسنا وضحكاتنا “الا إن كان لديكم أخ تنافسي يخرب عليكم الجمعة” عدا عن ذلك نحن سعداء...

%d bloggers like this:
Verified by MonsterInsights