على الرغم من طبيعة الأحلام الجامحة وغير المتوقعة، يمكن لبعض الأحلام أن تتكرر كثيراً، وفي الأغلب تكون تلك الأحلام ذات صلة بقضية ما أو مشكلة. بالطبع، إذا كان هناك شيء ما يوترك في حياتك (مثل اقتراب موعد إختبارك)، فسيقودك هذا إلى التفكير في هذا الأمر كثيراً. ونتيجة لذلك، سيكون لديك الكثير من الذكريات الجديدة عن ذلك الشيء الذي يحتاج الى تنظيم، وبالتالي ستظهر أكثر في أحلامك، وستقفز أكثر من غيرها حتى ينتهي بك المآل إلى أن تحلم بشكل منتظم أنك لن تتمكن من حضور الإختبار، أو أنك تكون وحيداً في قاعة الإختبار في حين أقرانك يؤدون اختبارهم في قاعة اخرى. وكل ذلك لتفريغ مشاعر التوتر لديك.
النوم ضروري للتنقية والتخلص من نفايات المخ
الناس الذين يحرمون من النوم، وبشكل خاص نوم حركة العين السريعة REM ( أو نوم الأحلام)، يظهرون على الفور انخفاضاً حاداً في التركيز العقلي، والإنتباه، ومهارات حل المشكلات، وارتفاع في مستويات التوتر، وسوء الحالة المزاجية، والإنفعال، وإنخفاض في جميع نواحي الأداء لمهامهم. على سبيل المثال، دعنا لا نخوض في العواقب الآجلة للقرارات التي يأخذها طبيب محروم من النوم، بعد دوام عمله المتتابع الثالث المستمر لاثنتي عشرة ساعة خلال يومين.
إذا استغرقت وقتاً طويلاً بدون نوم، يبدأ مخك في تنشيط «نومات مصغرة»، حيث يمكنك أخذ فترات من النوم لدقائق أو حتى ثوانٍ في المرة الواحدة. وإن استطعنا الصمود مع كل تلك المشكلات العقلية التي تسببها قلة النوم، فإن قلة النوم ترتبط بضعف أجهزة المناعة، والسمنة، والإجهاد، ومشكلات القلب.
الحلم أكثر ارتباطًا بالواقع مما نظن
إعتبر البعض أن الأحلام رغبات مكبوتة، وأكد آخرون أنها ذكريات مشتتة يترجمها العقل الباطن بشكل صور أو مشاهد غير مترابطة في معظم الأحيان، لكن ثمة نظريات أكثر جدية في معالجة هذا الشأن، وهي كانت نتيجة تجارب مكثفة، وبراهين قاطعة أثبتت أن الحلم ليس سوى حلقة مكملة للإدراك الحسي والفكر التحليلي الواعي، وهذا يعني أنه أكثر ارتباطًا بالواقع مما نظن.
ماذا في هذه النظريات وكيف نستفيد من مضمونها في معالجة مشاكلنا اليومية؟
• الأحلام ليست إلا تفكيرًا في ما يشغل ذهن الإنسان عادة، لكن في حالة مختلفة من الوعي.
علاقة الاحلام بحل المشاكل
يقال إن «الزمن يشفي الجروح»، لعل الزمن ليس هو ما يشفي الجروح، بل الوقت الذي نمضية ونحن نحلم أثناء نومنا، يوفر الحلم شكلاً من أشكال المعالجة الليلية. أي إن الحلم خلال هذه المرحلة من النوم ينزع الألم الحارق من المشكلات الانفعالية الصعبة التي واجهتنا خلال نومنا فيقدم لنا حلاً انفعالياً عندما نستيقظ في صباح اليوم التالي. عد بتفكيرك إلى طفولتك وحاول أن تتذكر بعض أقوى الانفعالات التي كانت لديك. ستلاحظ أن كل ما تستطيع تذكره تقريباً ليس أكثر من ذكريات ذات طبيعة انفعالية. لاحظ أيضاً أن استعادتك تلك الذكريات التفصيلية لم تعد فيها تلك الدرجة نفسها من المشاعر والانفعالات التي كانت موجودة وقت الموقف أو التجربة. أنت لم تنسها، ولكنك نزعت عنها شحنتها الانفعالية، أو الجزء الاكبر منها على الأقل. يمكنك أن تعيش تلك الذكرى مرة أخرى لكنك لن تكرر ردة الفعل الداخلية نفسها التي حدثت في ذلك الوقت والتي لا تزال تتذكرها.
تذهب هذه النظرية إلى أننا نحظى بالحلم لكي تنجلي عنا الانفعالات وتنفصل عن التجربة نفسها التي خضناها. فمن خلال مفعوله العلاجي الشافي أثناء الليل، يؤدي الحلم مهمته الجميلة، مهمة فصل القشرة الانفعالية المرة عن ثمرة التجربة الغنية بالمعرفة. وهكذا نكون قادرين على التعلم من تجاربنا وتذكرها بشكل مفيد من غير أن تؤذينا الشحنة الانفعالية التي كانت مرتبطة بها.

تشير الأبحاث الآن إلى أن الأحلام هي ببساطة أفكار ولكن في حالة كيميائية عضوية مختلفة. إن المتطلبات الفسيولوجية للنوم تغير الطريقة التي يعمل بها الدماغ؛ وقد تبدو الأحلام غريبة أو غير منطقية لأن كيمياء الدماغ النائم تؤثر على الطريقة التي ندرك بها أفكارنا، ولكننا رغم ذلك نستمر في التركيز على الموضوعات نفسها التي تشغل تفكيرنا في أثناء اليقظة. وهذه الحالة الغريبة من الوعي غالبًا ما تكون فرصة ذهبية لحل المشكلات؛ إذ إنها تساعدنا على التوصل إلى حلول بعيدة عن أنماط التفكير العادية. ومن خلال اتباع بعض الخطوات البسيطة، يمكن للإنسان أن يتحكم في زمام هذه القوة الكامنة ويحث الدماغ النائم على التفكير مليًّا في بعض الأمور المحددة التي تشغله.
• الأحلام قد تكون ذات فائدة عظيمة في التعامل مع المشكلات التي تتطلب حلولًا إبداعية أو تصورية.
عندما ننام لا ننقطع عن التفكير بعكس ما كان يُعتقد سابقًا، فإن الإنسان، كما تؤكد الدراسات، يستمر خلال النوم في حالة من الوعي الفكري الناشط، وهذا يعني أنه لا ينقطع عن التفكير بما يعترضه يوميًا من مشاكل حياتيه، آملاً بالوصول إلى حلول ترضي طموحاته. لكن الفرق أن دماغه في أثناء النوم لا يتعامل مع أفكاره بطريقة عادية، بل يتفاعل معها بيوكيميائيًا ليظهرها بشكل صور أو أفلام مرئية تحمل أكثر من معنى، وهذا يعيدنا إلى السؤال الآتي:
هل إن الأفكار المصورة التي تنشط في الحلم تحمل أجوبة عن أسئلة تساورنا خلال اليقظة؟

قد تبدو الأحلام غريبة وبدون معنى، وهذا يعود بحسب الدراسات إلى تأثير كيمياء الدماغ في رؤية الأفكار التي تراودنا خلال النوم. والمعروف بحسب المعطيات المتاحة أن الأفكار التي تتكثف بعد الاستغراق في النوم تتركز على مشاكل الحياة اليومية، الأمر الذي يساعد على إيجاد حلول لها والدلائل على ذلك كثيرة.
أحلام أطلقت المشاهير
ثمة عدد كبير من المشاهير دفعتهم أحلامهم إلى القمة، ما يؤكد أهمية الأحلام في تقديم الحلول للمشاكل العالقة، وفي هذا السياق نستعرض عددًا من الأمثلة.
- ابن سينا: يقال أن هذا الفيلسوف المشهور، كان إذا صعبت عليه مشكلة توضأ وصلى ثم نام فيرى حل تلك المشكلة في أحلامه.
- ديكارت: يروى أنه قد كشف عن كشوفة العظيمة، كما يقال، وهو نائم في فراشه صباحاً.
- فردريك بانتنع: مكتشف الانسولين، انه قد اكتشف هذا الدواء أثناء ما كان نائماً. فهو بعد أن قرأ كثيراً حول مرض السكر، إذ كان يعد محاضرة عنه لليوم التالي، تملكه الأعياء فنام، وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل أستيقظ فجأة وأضاء المصباح وكتب ثلاث عبارات في مذكرته. فكانت هذه العبارات البسيطة بعد ذلك هي المفتاح لاكتشاف هذا العلاج الخطير لمرض السكر.
- المستر «وليم جبس»: السكرتير السابق لمالية الولايات المتحدة الامريكية، يستعمل طريقة خاصة للإستفادة من أحلامه. فهو كان يأوي الى فراشه حول منتصف الليل بعد أن يكون التفكير قد اضنى قواه العقلية. لذا فهو قد اعتاد ان يضع ورقاً وقلماً بجانب فراشه ليسجل به ماقد تكشف له الاحلام من حلول لمشاكلة الكثيرة. وكان يستيقظ من نومه احيانا وفي رأسه فكره طارئة، فيسرع الى القلم لتقييدها قبل اختفائها. وكثيراً ما انتفع المستر «جبس» من هذه الطريقة في الوصول الى حلول عجز عنها في ساعات اليقظة.
- مهاما غاندي: القائد الهندي الذائع الصيت، الذي استوحى من أحد أحلامه طريقة النضال السلمي التي خاضها في وجه الاحتلال البريطاني.
ولقد حاول كثيراً من الباحثين أن يضعوا طريقة نفسية معينة يتمكن الإنسان بها من أن يستثمر أحلامه في حل مشاكله. والظاهر أن معظم الطرائق التي وضعوها تدور حول تركيز العقل الباطن قبل النوم على فكرة معينة وبعث الثقة فيه وشحذه لكي يتوجه نحوها ببصيرة ثاقبة .
يحدثنا ابن خلدون أنه استعمل دعاءاً معيناً قبل النوم سماه «حالومية» فاطلع بها في نومه، كما قال، على أمور كان يتشوق اليها. وهذه «الحالومية» ما ذكرها ابن خلدون هي: أن يقال عند النوم بعد فراغ السر وصحة التوجه هذه الكلمات الأعجمية «تماغس بعدان يسود وغداس نوفنا غادس» ويذكر حاجته، فانه يرى الكشف عن ما يسأل عنه في النوم. ومما يدعو إلى الاعجاب حقاً أن ابن خلدون يعلل تأثير هذه «الحالومية» في النائم تعليلاً نفسياً يقارب التعليل الحديث. فهو يقول «… وإنما هذه الحالوميات تحدث استعداداً النفس لوقوع الرؤيا فإذا قوي الاستعداد كان أقرب إلى حصول ما يستعد له . . . فالقدرة على الاستعداد غير القدرة على الشيء»
• عندما يفكر الإنسان في معضلات بعينها قبل الخلود إلى النوم، فإنه يزيد فرصة أن يأتيه حل المشكلة في الحلم.
ولعل المعنى الذي يقصده ابن خلدون بهذا هو أن هذه الكلمات الأعجمية الشوهاء ليس لها نفع بالذات، فهي أشبه بلغو الأطفال منها بكلام العقلاء. إن تأثيرها بالأحرى نفساني. حيث أن الاعتقاد بها يوحي للنفس بتخيل النجاح فيما تريد. وهذا يؤدي طبعاً إلى تصفية العقل الباطن من أدرانه والسير به في سبيل الكشف المبدع .
كما سبق وأشرنا، فإن الحلول التي تظهر في الأحلام تميزها عمومًا مواصفات مرئية مشوشة. لكن يحصل أحيانًا أن يرى النائم أحلامًا واضحة وكأنها جزء من اليقظة ويتمكن في حال عمل جهده على تحليلها، من الوصول إلى حلول خلّاقة.
المراجع:
- كتاب خوارق اللاشعور
- أن تنام، وتصادف الأحلام … كتاب المخ الأبله
- الحلم باعتباره معالجة ليلية: كتاب لماذا ننام؟
- الحلم والإبداع التحكم في الأحلام: كتاب لماذا ننام
- https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/from-the-magazine/answers-in-your-dreams1/