هل تظن أنك استوفيت حاجتك من النوم خلال الأسبوع الفائت؟ وهل تتذكر متى استيقظت آخر مرة من غير رنين الساعة المنبهة فنهضت شاعرًا بلانتعاش وعدم الحاجة إلى الكافيين؟ إذا كانت إجابتك على أي من السؤالين بالنفي، فأنت لست وحدك في هذا ! يفشل ثالثا البالغين في البلدان المتطورة كلها في تحقيق فترة ساعات النوم الليلي الثماني الموصى بها. لا أظن أن هذه الحقيقة قد فاجئتك كثيرًا، لكن عواقبها قد تكون مفاجئة لك.
نوم أقل يعني عمر أقصر
إن إعتيادك أن تنام ليلا أقل من ست ساعات، أو حتى اقل من سبع ساعات يقوض نظامك المناعي ويزيد خطر أصابتك بالسرطان اكثر من ضعفين. كما أن النوم غير الكافي عامل رئيسي من عوامل نمط الحياة التي تحدد ان كنت ستصاب بمرض الزهايمر. لعلك لاحظت أيضا أن رغبتك في الأكل تزداد عندما تكون مرهقاً، هذه ليست مصادفة على الإطلاق، لان قلة النوم تؤدي إلى زيادة تركيز الهرمون الذي يجعلك تشعر بالجوع وتخفض مستوى الهرمون المسؤول عن إطلاق إشارة الإكتفاء من الطعام.
يصير الاقتناع بالنتيجة المؤكدة التالية أكثر سهولة إذا جمعنا تلك العواقب الصحية الواردة أعلاه: «نوم اقل يعني عمر اقصر» كم هو مشؤوم ذلك القول المعروف: «سأنام عندما اموت!» ما عليك الا أن تتبنى هذه الطريقة في التفكير حتى تضمن الموت في وقت أقرب وحتى تكون حياتك الأكثر قصراً اقل جودة. والمحزن أنه ما من نوع من أنواع الكائنات الحية، غير البشر يتعمد حرمان نفسه من النوم من غير وجود أي مكسب يبرر ذلك.

وليس من المصادفة في شيء أن تكون البلدان التي شهدت انخفاض حاداً في فترة النوم على امتداد القرن الماضي (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وبلدان أخرى كثيرة في أوروبا الغربية) هي المناطق التي تعاني اكبر زيادة في نسبة الامراض الجسدية والإضطرابات العقلية والنفسية.
أننا ننام من أجل خدمة مجموعة واسعة من الوظائف … من أجل عدد كبير من “المنافع الليلية” المفيدة لأدمغتنا واجسادنا. والظاهر انه ما من عضو رئيسي في الجسد، وما من عملية رئيسية من عمليات الدماغ، لا يتعزز على النحو الأمثل بفعل النوم (تصاب الوظائف الجسدية والعقليه بضرر شديد عندما لا نحصل على القسط الكافي من النوم). يؤدي النوم إلى إغناء مجموعة كبيرة من الوظائف داخل الدماغ، بما في ذلك قدرتنا على التعلم والتذكر واتخاذ القرارات و الخيارات المنطقية. كما أن النوم يعتني بصحتنا النفسية أيضا ويصحح وضع دارات دماغنا الانفعالية فيمكننا من المضي بخطوات ثابتة وعقل هادئ بين التحديات الاجتماعية والنفسية التي ستواجهنا في اليوم التالي.
متى تحتاج الى النوم ؟

هنالك عاملا رئيسيان يحددان متى تصير راغبا في النوم ومتى تصير رغباً في الاستيقاظ. و أثناء قراءتك هذه الكلمات يمارس كل من هذين العاملين تأثيرا كبيرا على دماغك وعلى جسدك.
- • العامل الأول: هو إشارة منبعثة عن الساعة الداخلية الموجودة في دماغك (ساعة تعمل وفق نظام 24 ساعة) تخلق هذه الساعة دورة او إيقاع ليلي نهارى متكرر يجعلك تشعر بالتعب او اليقظة في أوقات منتظمة من الليل والنهار. ويسمى ايضا (ايقاع الساعة البيولوجية)
- • العامل الثاني: هو مادة كيميائية تتراكم في دماغك و تخلق ضغط النوم أي الأحساس بالحاجة إلى النوم. فكلما ازداد بقائك مستيقظا كلما تراكم هذا الضغط الكيميائي الذي طالبك بالنوم.
إيقاعات البشر في النوم … أي نمط يمثل إيقاعك ؟
إيقاعات البشر ليست ثابتة بل تختلف. فعند بعض الأشخاص تكون ذروة اليقظة في وقت مبكر من النهار، وتكون ذروة الإحساس بالنعاس في وقت مبكر من الليل. هؤلاء هم اصحاب «النمط النهاري» وهم يشكلون قرابة 40% من البشر. يفضل هؤلاء الناس الاستيقاظ عند الفجر تقريبا، بل يسعدهم الاستيقاظ في هذا الوقت ويكون أدائهم في حالته المثلى في هذه الفترة من النهار.

أما اصحاب «النمط المسائي» فهم يعادلون نحو 30% من البشر. عادة ما يفضل هؤلاء الذهاب إلى الفراش في وقت متأخر والاستيقاظ في وقت متأخر من الصباح التالي، أو حتى بعد ظهيرة اليوم الثاني. وتقع النسبة الباقية نحو 30% من الناس بين النمطين النهاري والليلي مع ميل بسيط في اتجاه النمط الليلي. يدعي هذان النمطان من الناس «عصافير الصباح» و «بومات الليل» وخلافاً لعصافير الصباح، عادة ما تكون بومات الليل غير قادرة على النوم في وقت مبكر مهما حاولت فعل ذلك. وبما أنها لا تنام حتى وقت المتأخر فمن الطبيعي أنها تكره الاستيقاظ في وقت مبكر. ولا يكون أدائها جيدا في هذا الوقت من النهار، وذلك لان أدمغتها -على الرغم من أنها مستيقظة- تظل في حالة أقرب إلى النوم خلال ساعات الصباح الباكر.

إن إنتماء الشخص الى بومات الليل او الى عصافير الصباح، وهو ما يعرف أيضا باسم «النمط الزمني» امر تحدده المورثات بدرجة كبيرة. إذا كنت “بومه ليلية” فمن المحتمل كثيرا أن يكون احد والديك أو كليهما، مثلك. والامر المحزن وأنا المجتمع يعامل “بومات الليل” معاملة غير منصفة، وذلك من ناحيتين اثنتين: أولا، يوصمون بأنهم كسالى، وذلك استنادا إلى أنهم يظلون مستيقظين لوقت متأخر نتيجة عدم شعورهم بالنعاس. أنهم أشخاص مقيدون ببرنامج زمني متأخر بفعل تركيبتهم الوراثية التي لا يد لهم فيها.
ماهي دورة مراحل النوم ؟
بدايةً ما هو النوم؟ النوم يتكون من ٥ دورات، الدورة الواحدة تستغرق ٩٠ إلى ١٢٠ دقيقة وكل دورة من النوم تتكون من نوعين من النوم:
- NREM Sleep: وهو نوم حركة العين الغير سريعة ويمثل ٧٥-٨٠٪ من فترة النوم الكلية ولا يحلم المرء فيه، ولكن يرمم الجسم نفسه، ويعيد بناء الأنسجة والعضلات والعظام وتفرز الهرمونات فيه مثل هرمون النمو
- REM Sleep: وهو نوم حركة العين السريعة وهو يمثل ٢٠-٢٥٪ من فترة النوم الكليّة وفيه تحصل الأحلام ويكون نشاط المخ فيه مثل نشاطه أثناء اليقظة، يصدر الجسم هرمونات تقوم بمنع حركة العضلات (لكي لا تقوم بفعل ما تراه في حلمك)

النوم الجيد لا يعتمد فقط على الكمية بل على الجودة أيضاً ويمكن استخدام برامج لحساب عدد ساعات نومك وجودة النوم أو الاعتماد على علامتين اقترحها الكاتب:
- النعاس وقت الظهيرة علامة على نوم سيئ
- احتياجك للكافيين في الصباح او الظهيرة للقيام بنشاطاتك المعتادة علامة على نوم سيئ
شلل النوم (الجاثوم)

شلل النوم هو الانعدام المخيف للقدرة على الكلام أو الحركة عندما تكون واعياً، يحدث القسم الاكبر من الشلل خلال نوم حركة العين السريعة (الفترة التي تحلم فيها REM)، عندما تنتقل الى هذة المرحلة من النوم يقوم دماغك بشل جسمك أثناء ما تراودك الأحلام لكي يقيك من تمثيل ما تراه اثناء منامك، وفي الأحوال العادية ينهي الدماغ حالة الشلل هذه عندما تستيقظ من حلمك وذلك وفق توافق زمني دقيق. لكن من الممكن أن توجد حالات يستمر فيها شلل النوم بعض الوقت أثناء مرحلة حركة العين السريعة بالرغم من أنك واعي.
وفي هذه الحالة يبدأ المرء بالاستيقاظ، لكنه يكون غير قادر على فتح جفنيه، أو على الاستدارة، أو إصدار صوت. وغالباً ما يشعر المرء أثناء مرور النوبة بمشاعر الخوف، إضافة لاحساسه بأن شخصاً غريباً قد اقتحم المكان. وهذا الخوف يأتي بسبب انعدام القدرة على الحركة استجابة لذلك الخطر الذي يشعر به الإنسان، ثم تدريجياً يزول هذا الشلل ويبدأ المرء باستعادة سيطرته على جسدة. بما في ذلك عيناه وذراعاه وساقاه وفمه ولسانه. يظهر هذا الشلل ظهوراً عارضاً لدى شخص من كل أربعة أشخاص أصحاء، وهذا يعني أنه حالة شائعة غير مقلقة على الإطلاق.
10 أضرار محتملة لقلّة النوم:

- كلما قصر نومك، قصرت حياتك: هذه الدراسات أثبتت وجود علاقة ما بين قلة النوم مع جميع مسببات الوفاة الرئيسية مثل: أمراض القلب، السرطانات، أمراض الدماغ، السمنة، والحوادث. وبحسب منظمة الصحة العالمية أمراض القلب هي المسبب الأكبر للوفاة عالميًا ومن بعدها السكتة الدماغية
- أحد اهم أسباب وفيات حوادث القيادة: الاشخاص الذين يعانون من قلة النوم يحصل لهم ما يسمى بـ micro sleep أثناء القيادة، وهو أن الشخص يغفوا لأجزاء من الثانية إلى ٣٠ ثانية بدون أن يشعر، ولثواني تنطلق سيارتهم بدون أي تحكم، وفي سرعة بسيطة مثل ٥٠ كم تستغرق السيارة ثانيتين فقط من عدم الإنتباه للإنحراف للمسار الآخر، وهي أحد أهم مسببات الوفاة في السعودية. قدرتك على القيادة ولم تأخذ كفايتك هي نفس قدرة شخص سكران سيصطدم بشجرة ويلومها.
- تدهور مناعة الجسم: اكتشفت دراسة من جامعة كاليفورنيا أن النوم لمدة ٤ ساعات لليلة واحدة يقضي على أكثر من نصف خلايا Natural killer cells المناعية المسؤولة عن تدمير الخلايا السرطانية والفايروسات، ضربة قاضية لجهازك المناعي بسبب ليلة واحدة فقط من النوم السيئ تخيل بعد أسبوع او سنة او نظام حياة كامل؟
- قلة النوم توصلك إلى السمنة: فالنوم القليل يزيد من الجوع والشهية للأكل الغير الصحي ويضعف من قدرة المخ على التحكم بالرغبات، ويقلل من الإحساس بالشبع وخسارة الوزن أثناء الرجيم ويزيد من خسارة العضلات والتمسك بالدهون بسبب الإخلال بهرمونات الأيض
- النوم لخمسة ساعات فقط يقلل من نسبة التستوستيرون في جسدك لدرجة تساوي من هم أكبر منك عمرياً بخمسة إلى عشرة سنوات، مما يقلل قدراتك على الإنجاب وقدراتك على البناء العضلي وغيرها من الأمور.
- النوم دين لا يمكن سداده: السهر لـ٥ أيام والنوم جيداً في الويكيند لا يعوّض ما فقدته، ولا يرجع قدراتك الجسدية والعقلية لسابق عهدها، ومع الأسف ما يزيد الأمر صعوبة أننا لا نستطيع تقييم مدى حرماننا من النوم ونقوم دائماً بتقليل مدى تأثّر قدراتنا.
- تراجع القدرات الذهنية: قلة النوم تقلل من نشاط جزء من الدماغ يسمى prefrontal cortex وهو المسؤول عن تقييم الذات واتخاذ القرارات ويزيد من نشاط جزء آخر يسمى amygdala المسؤول عن معالجة المشاعر السلبية مثل الخوف والغضب. مما يعني أنك عندما لا تنام بشكل كافي ستتعامل وترى الأمور بطرق سلبية أكثر وترد بطرق مبالغ بها وتكون أكثر مزاجية وسبباً للمشاكل
- فقدان المعلومات: السهر في الليلة التي تعلمت وذاكرت فيها يفقدك فرصة تثبيت المعلومة في الذاكرة مهما نمت بعدها بسبب عدم حصول عملية فيسيولوجية مهمة تسمى بـ consilidation (تحويل ما تعلمته من ذكرى قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد)
- قلة النوم مرتبطة بالأمراض النفسية مثل الإكتئاب، والقلق، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD عند الأطفال
- النوم يقوم بتنظيف المخ وتخليصه من البروتينات المسببة لألزهايمر وأمراض النوم ومنها قلة النوم والنوم ذو الجودة السيئة تضاعف من احتماليات الإصابة بألزهامير، بل أن ١٥٪ من جميع المصابي بألزهايمر في أمريكا سبب إصابتهم الرئيسي كان مشاكل نومهم
ما الذي يمنعك من النوم ؟

يعيش كل منا في حالة إرهاق شديد. فلماذا؟ وماهو ذلك الشيء على وجه التحديد الذي يحول بيننا وبين أنماط نومنا الغريزية الصحية، وماهو ذلك الشيء الذي يضعف قدراتنا على النوم العميق خلال الليل ؟ هنالك خمسة عوامل رئيسية تغير بقوة كلاً من مقدار النوم وجودته.
- الإنارة الكهربائية المستمرة وإنارة مصاببح LED بالتحديد: أسهل طريقة لتحقيق الظلمة هي استخدام ستائر غير نافذة للضوء، ومن الممكن أن تضع على أجهزة الهواتف والكمييوتر والأجهزة اللوحية برمجية خاصة قادرة على امتصاص ضوء LED االأزرق الضارة المنبعثه منها عند حلول المساء، تؤثر هذه الإضاءة تحديدا سلبياً على إفراز الهرمون المسئول عن إغراقك بالنعاس.
- ثبات درجات الحرارة: درجة حرارة الغرفة، وأغطية السرير وملابس النوم هي ما يقرر «الغلاف الحراري» المحيط بجسمك في الليل. لذلك يجب أن تنخفض درجة حرارة الجسم درجة مئوية واحدة، ولهذا السبب يكون النوم في غرفة زائدة البرودة أسهل من النوم في غرفة زائدة الحرارة. لانها تعيد تقريب درجة الحرارة الداخلية المطلوبة للنوم.
- الكافيين: يصل مستوى الكافيين إلى ذروته بعد نحو ثلاثين دقيقة من تناوله. لكن المشكلة في الأمر هي طول فترة بقاء الكافيين ضمن نظام الجسم. أثر الكافيين يظل قوياً مما يستلزم استمرار الجسد في العمل على تفكيك الكمية خلال الليل. وحصيلة ذلك ان النوم لن يأتي بسهولة ولن يكون نوماً سلسلاً في الليل. لذلك احرص على أن لا تشرب القهوة بعد الظهيرة.
- الكحول: هي من المواد المعروف أنها «تكبت» نوم حركة العين السريعة، «نوم الحلم” ويظهر هذا الأمر على نحو محزن لدى الكحوليبن عن بلوغ هذه المرحلة من النوم، مما يسبب ضغطاً كبيراً ومتراكماً تظهر لدى أولئك الاشخاص مثل هجمات من الحلم تأتيهم وهم مستيقظون فيسبب هلوسات ووهامات وحالات شديدة من التشتت والضياع. إسمه العلمي «الهذيان الإرتعاشي» فإن افضل حل لنوم صحي هو الإقلاع عن تناول الكحول.
- مواعيد العمل المبكرة: الاستيقاظ القسري من النوم، ينبئنا بالكثير عن مقدار قلة النوم التي تعانيها ادمغتنا في العصر الحديث، انها واقعة بين فكين: الليل الذي تنيرة الكهرباء، ومواعيد الاستيقاظ المبكرة. فيشعر كثير منا بقدر كبير من الارهاق ومن صعوبة الحصول على النوم الكامل الهادئ الطبيعي العميق ! إن هذه المشكلة ترغمان أشخاصاً كثيرين على الاستعانة بالأقراص المنومة. لذلك احرص على أن تنام ٨ ساعات متواصلة في اليوم.
المراجع:
- أن تنام، وتصادف الأحلام … أو أن تتشنج، أو تختنق أو تسير أثناء نومك، كتاب المخ الأبلة
- الكافيين وفروق التوقيت والميااتونيين، كتاب لماذا ننام
- كيف تلحق الضرر بنومك وكيف تساعده؟، كتاب لماذا ننام؟
- هذا الشيء الذي ندعوه نوماً، كتاب لماذا ننام ؟