عادة ما يجعل الناس من رمضان شهرًا للتغيير فيستعدون له أجلّ استعداد ويجعلونه مضمارًا للسباق بين الميادين الدينية والدنيوية، وذلك من فضل الله أن جعل لعباده مواسم يحيونَ فيها بطريقة مختلفة عمَّا اعتادوه؛ لأن في تغيير النّظام الحياتي فوائد كثيرة على الفرد والمجتمع، وشهر رمضان مثال على هذهِ الهبات الرَّبانية؛ ففيه تتعدل طبائع النّاس وعاداتهم ويرتقي السلوك البشري وتزول الضغائن ويتقارب المتباعدين وتزيد حركة الإحسان وينشط أهل الخير في أعمال البر على كلِّ صعيد

جوهر التغيير الرمضاني:
عندما نتحدث عن التغيير في رمضان فينبغي أن يكون أعمق من التغيير السلوكي الذي يقوم على اكتساب عادات جديدة من خلال الممارسة المتكررة، ينبغي أن ندرك حقيقة عمق النفس الإنسانية وأن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا بعد تغيّر نابع من النفس التي هي محل التكليف والاختيار. فجوهر التغيير الرمضاني هو تغيير ما بالنفس بالتزكية والتقوى وضبط المعايير الدنوية والآخروية
التغيير العام :

التغيير العام والنافع لابد أن يغطي مشاريع وأصعدة متعددة؛ سواء على الجانب الشخصي أو المهني. فقد تتعدد المشاريع التي ينوي الفرد القيام بها أو يضعها مصب حلمه واهتمامه مابين مشاريع اقتصادية و تنموية أو ذاتية أو دينية، وبلا أدنى شك بأن هذه مشاريع هامة ينبغي على المرء المسؤول السعي للوصول لها وتحقيقها. ولكن هناك مشروع جلل قلّ من وضعه ماثلًا أمامه أو سعى له حق السعي أو أدرك قيمته على أدنى حال.
ذلك هو المشروع الشخصي “مشروع تقوية ونهضة الفرد لتقوى وتنهض الأمة” الذي أشاد به د. عبدالكريم بكار في أكثر من موضع من مؤلفاته؛ قائلا: «إن هناك حقيقة كثيرًا ماتغيب عن أذهاننا؛ هي أننا لانستطيع أن نبني أمة قوية من أشخاص ضعفاء. وإن الذين يحلمون بأمة قوية دون أن يروا مستوى الفرد فيها يتحسن ويترقى سيظلون يحلمون ويحلمون في ظل أوضاع تزود سوءًا»
لذا فإن فكرة المشروع الشخصي على حاجة الأمة الإسلامية الماسة له لا يزال غريب في مجتمعاتنا، مع إنه قد يكون الأيسر والأقل تكلفة فيإنقاذ الأمة من وضعها الراهن. المشروع الحضاري هو التزام شخصي بشيء يكرِّس له المرء حياته كلها أو بعضها. وفي سبيل نجاح مشروعه يتنازل عن بعض الرغبات وعنبعض المصالح ويتحمل بعض العناء والمشقة.
المشروع الحضاري الشخصي رؤية تتكون من الهدف والطاقة والإمكانية والبعد الزمني، يتجسد في خطة عملية واحدة. ومهما كان نوعية مشروع الواحد منا فينبغي أن يكون شيئًا يستحق التضحية، وأن يكون صلة بهدفنا الأسمى؛ وهو الفوز برضوان الله-تعالى-ويجب إلى جانب هذا وهذاك أن نبرمج حياتنا؛ ونرسم أهدافنا من أفق حاجات المجتمع المسلم ؛ أي نتوقع من مشروعنا الشخصي المساهمة في خدمةأولوية اجتماعية أو سد ثغرة ملحِّة ومهمِّة أو المساهمة في مشروع تقليل الاستهلاك والتبعية وتوفير الحاجات والضروريات.

وقد يسأل سائلًا: ما هي المشاريع الشخصية التي يمكنني الاسهام بها؟
فيجيب أنه في ظل تعدد التقنيات والتطور المستمر والمجالات المتعددة فإن آفاق المشروع الشخصي في حالة من الاتساع والتنوع الدؤوب. وبمجرد أن يتفتح الواحد منا على الواقع بما يتيحه من فرص وتحديات ومطالب متجددة فإنه سيجد الكثير الكثير مما يمكن له أن يهتم به ويخدمه.
إذًا فعلى كل واحد منا أن يبحث عن دوره الأمثل في هذه الحياة المحدودة، وأن يتسائل باستمرار:
- مالشي الذي أستطيع أن أفعله، ولكني لا أفعله؟
- وما العمل الذي إن أديته بطريقة جديدة تكون نتائجه أفضل ؟
وللوصول وتحقيق هذا المشروع يلزمنا وعي تام بالدور و ثم النظر في الأصعده التي تساهم وترقي بالوصول لتحقيق هذا المشروع و تحسين وتطوير وتغيير ما يلزم منها؛
من حيث الصعيد الشخصي

١- يجب التغيير من الغفلة إلى الحضور:
نحن هنا على هذه الأرض لعبادة الله -تعالى-والتقرب إليه، وكل العبادات في الإسلام تستهدف شيئًا جوهرياً، هو تعميق معنى العبودية لله، وتقوية الصلة به. استحضار النية الصالحة عند الأعمال المباحة كالأكل والشرب والنوم والرياضة واستشعار كونها وسائل للتقوي على طاعةالله. الشعور -بمعية الله مهم جداً لتسديد أقوالنا وأفعالنا ولابد من العيش مع ذلك باستمرار.
٢- التغيير من العطالة إلى الريادة:
لدى كل واحد منا قدر من العطالة وقدر من الهدر في الإنتاجية الشخصية، كما أن لديه قدر من الميل إلى التقليد والعيش في الظل، إلى جانب شيء من الاستهانة بالامكانات الخاصة التي يملكها…وهذا شأن معظم الناس في الحقيقة. وهذه بعض الإرشادات التي تقلل هذاالشعور:
أ- تقليل الاعتماد على الآخرين:
ليحاول كل منا القيام بشؤونه الخاصة والتقليل من الاعتماد على الآخرين قدر الإمكان، لأن ذلك يشكل اللبنة الأولى لطريق الخلاص من العطالة
ب- الحذر من الاندماج الاجتماعي:
التيار العام في المجتمع لايكون في الغالب راشداً، ومن ثم على الواحد منا أن يترك مسافة بينه وبين ما عليه عامة الناس من هموم واهتمامات وتطلعات ومواقف وسلوكيات وعادات هذه المساحة ضرورية لصون الذات من الاندماج، وضرورية لممارسة الخصوصية. وهي معهذا وذاك شرط من شروط الريادة حيث أن الرائد يتقدم الصفوف بوعيه ورؤيته وبجده أيضًا، توطين النفس على الانفصال عما هو سائد يعني اكتساب عادات جديدة في التفكير وبلورة الرؤية والتواصل مع الناس.
جـ- علو الطموح:
لا ينتقل المرء من الكلالة والعطالة إلى السبق والريادة إلا من خلال امتلاكه بعض الطموحات والتطلعات التي تفوق طموحات الوسط الذي بعيش فيه.
٣-لا ريادة من غير مبادرة:
الريادة في الحقيقة آثار ونتائج وتأثير وتقدم على الصفوف، مع اتخاذك تحديات قيادتها طريقًا لتثقيف نفسك بأخلاق القادة وتعويدهاالالتزام بعاداتهم.
– من المظاهر الريادية
- اجعل التطوع جزءًا من حياتك، حيث لايصح لأي مسلم مثقف وغيور على دينه وأمته ووطنه أن لايكون له انتماء إلى مؤسسة تطوعية أوخيرية
- -ليكن لك مشروعك الخاص سواء كان فكرياً أو خيرياً أو تجارياً، فالمشروع الناجح ينقل صاحبه من صفوف الناس العاديين إلى صفوف المتميزين
- ليكن لديك دائماً هدف كبير يجسد رؤيتك للمستقبل واهتمامك به، وتضغط من خلاله على الوقت، لأن الوقت يضيع سدى إذا لم يضغط عليها بأهداف مستقبلية وآخروية .
امتلاك روح المبادرة يتطلب منا أن نحرص على سلوك جديد غير الذي يسلكه الناس في العادة، كما يتطلب أن نعمل على توليد الأفكار الذكية التي تفتح حقولًا جديدة للممارسة، ولا بد معها من تشوق لسد الثغرات التي يمكن أن يدخل منها ما يؤذي الأمة ويوهنها.
-٤ التغيير من محورية المصلحة إلى محورية :المبدأ
فطر الله الناس على رعاية مصالحهم من خلال الحرص على جلب ما يعتقدون أنه منفعة لهم، ودفع ما يعتقدون أنه مضرة عليهم، والعمل علىذلك جزء من إعمار الكون، إلا أن تحقيق المصالح من غير قاعدة أخلاقية وشرعية وقانونية يؤدي إلى التناحر والعدوان ويدمر الكثير من المعاني النبيلة، ومن هنا فإنه لابد لكل من يسعى إلى تحقيق مصلحة من أن يؤطرها بالمبادئ والأخلاق المتصلة بتلك المصلحة.
٥- التغيير من السلبية إلى التفاعل
منذ قرون ومعظم المسلمين يعانون في كثير من البلدان الإسلامية من الكبت والقهر والإذلال أحيانًا، وهذا جعل معظم الناس ميالين إلى السلبية والعيش على الهامش، وإلى التصرف على طريقة من لايرى ولا يسمع ولا يعلم شيئًا. وتلك بعض الآليات للانتقال من السلبية إلى الإيجابية:
- التخلص من المزاج السوداوي
- الرؤية الإيجابية
- محاربة اليأس
- توقع الخير
- الاهتمام بما يجري في الساحة
- أسمع يومياً نشرة أخبار واحدة على الأقل
- مارس التحليل للأخبار مع عدد من الأصدقاء البارعين
- حاول أن تبلور رأياً شخصياً حول مايجري في بلدك
- حين تقع مشكلة أخلاقية أو معيشية في بلدك، فإن الإسهام في حلها من حقوق المواطنة الصالحة
- ليكون التفكير في تحسين الشأن العام أحد همومك المقيمة، مع السعي إلى أن يكون لمشروعك الشخصي إسهام في ذلك.
الصعيد الاجتماعي:

١- التغيير من دائرة الاطلاع إلى دائرة الفعل
- محاولة معرفة مايجري داخل البلد، ومحاولة فهمه بعمق من أجل تقديم الخدمة المناسبة.
- الاعتقاد بأن على الفرد دائماً أن يتحمل شيئًا من تكاليف سلامة المجموع، حيث إننا في سفينة واحدة وإذا غرقت سنغرق جميعاً.
- لابد لكل واحد منا أن ينخرط في عمل تطوعي في مجال من المجالات حتى يساعد وينهض بالعناصر الضعيفة في المجتمع
- نحن نريد القليل من الكلام والكثير من الفعل، وعلى كل منا أن يعمل على تأسيس مشروع أو تكوين مجموعة من أجل سد ثغرة أو إطلاق مبادرة، أو نشر وعي بقضية معينة بما يعود نفعه على المجموع.
- لا تنتظر الآخرين، وشق طريقك، وحين يرى الله منك الإخلاص والصدق فسيهيئ لك الكثير من الأعوان والأنصار بإذن الله.
- لا ينبغي لدائرة الاهتمام والاطلاع أن تكون أكبر من دائرة التنفيذ والتأثير والممارسة العملية
٢- التغيير من دائرة الانغلاق إلى الانفتاح:
إن الشعار الذي يجب أن نرفعه جميعاً هو : أنا لمجتمعي ومجتمعي لي، فالمسلم الحق يحاول دائماً أن يقدم لمجتمعه أكثر مما يأخذه منه،فاليد العليا خير من اليد السفلى .
وأخيرًا المطلوب دائما التخصص في مسألة حية نافعة وإضافتها لخططك، وامتلاك مثابرة وإصرار على بذل الجهد المتواصل لتحقيها..
المراجع:
– رمضان وإمكانية التغير،عبدالوهاب عمارة
– جوهر التغيير الرمضاني، أ.فؤاد العمري
– قطار التقدم، د. عبدالكريم بكار
– المشروع الحضاري الشخصي نحو فهم جديد للواقع، د.عبدالكريم بكار