
التحليل النفسي الكلاسيكي
عندما يدرس المرء مشكلة المثلية الجنسية homosexuality فإن الصعوبة تبدأ من الاسم ذاته. فالجنسية المثلية في التصور التحليلي النفسي تشتمل على علاقات جنسية مع شخص من الجنس ذاته وكذلك على بذل العاطفة والحب تجاهه. ولا يرسم المحللون النفسانيون أي خط فاصل بين التهيج الجنسي الذي يشعر به رجل يمضي إلى الفراش مع بحار صادفه منذ نصف ساعة وبين شعور هذا الرجل بالحنان تجاه والده أو معلمه المفضل. فكلاهما انفعالان جنسيان مثليان، والثاني وحده قد كف عن الوصول إلى هدفه أو حاد عنه. كما أن الإعجاب بالرجال العظماء، والصداقة، والصحبة هي، في معناها الأدق، تعبيرات جنسية مثلية مُصَعدة. أما النظرية التحليلية النفسية الجديدة فتميز بحدة بين هذه الإمكانات: إنها تفرق بين الجنسية المثلية والحب والعاطفة تجاه الجنس نفسه باعتبارها ظواهر مستقلة، وتدرك في النهاية إمكان اتحاد كلا الانفعالين. وبعبارة أخرى، إنها تؤكد على وجود أيضاً على وجود إمكانات الانتقال أو التزامن. بل وأود أن أمضي بعيداً لأزعم أن من الممكن أن تنشأ بين فردين من جنس واحد ظاهرة مشابهة لظاهرة الغرام، خاصة بين المراهقين. فلماذا، إذًا، نطلق اسم العلاقات الجنسية المثلية على كل هذه العلاقات المتباينة، والتي تتميز إلى حد بعيد بعضها عن بعض في المنشأ والطابع؟

نظرة جديدة في التحليل النفسي
ليس ثمة من ينكر أن العلاقات الجنسية المحض ممكنة مع فرد من الجنس ذاته. ويعرف أي سيكولوجي كثيراً من الحالات التي يمضي فيها رجل إلى الفراش مع رجل آخر دون اهتمام سوى الاهتمام الجنسي، الذي يتلاشى مباشرة مع إزالة التوتر الفيزيائي، مخلفاً مكانه النفور والاشمئزاز واللامبالاة في معظم الحالات. غير أن أحداً لا ينكر أيضاً أن مشاعر الرفقة والصداقة توجد بين الرجال، دون أثر للرغبة الجنسية. وحتى لو سلمنا بوجود نزوات مكبوتة، لا واعية من هذا النوع، أليس من الممكن أن تكون جديرة بالإهمال واعتبارها دون اهمية علمياً.
إن التفريق الذي يجريه التحليل النفسي الجديد يركز على الاستيهامات التي تتولد لدى الجنسيين المثليين، في حقل الاستيهام فالرجل لا يمضي إلى الفراش ابداً مع رجل آخر ولا المرأة مع امرأة اخرى. ذلك أن أحد الرجلين يلعب دور المرأة والعكس بالعكس. وبالطبع فإن تبادل الأدوار ممكن ومعتاد، ولكن يبقى هنالك على الدوام – بصورة واعية أو لا واعية – شخصان من جنسين مختلفين حاضرين في الاستيهام. وإذا ما أخذ المرء هذا الوضع في حسبانه، فإنه سيدرك أن الاختلاف البيولوجي بين الجنسين لا يفسر المشكلة السيكولوجية، وإنما قدرة الخيال على لعب دور الجنس الآخر وعلى رؤية الشخص الآخر في هذا الدور. ولقد ظلت هذه المشكلة مهملة من قبل المحللين النفسانيين إلى الآن.

دور الاستيهامات الجنسية في فهم الظاهرة
الشيء المهم في فهم العلاقات الجنسية والعاطفية بين أفراد الجنس الواحد ليس النشاطات، وإنما الاستيهامات التي تجعل هذه النشاطات ممكنة. وبعبارة اخرى، فإن واحداً من الشخصين في الاتحاد الجنسي المثلي يتخيّل الآخر امرأة، ولكن الهوية الجنسية الحقيقية تبقى سليمة، في الوقت ذاته، في ذهن هذا العاشق. أما الشريك فيؤدي وظيفته متخيلاً انه امرأة، على الرغم من إدراكه، الذي يحتجب مؤقتاً، أنه رجل. وعلى هذا النحو فإن الاستسلام للإيهام يضمن لذة عظيمة، رغم معرفة أنه إيهام. وبالمعنى ذاته، فإن الجنسي المثلي يتخيل أن شريكه فتاة ج، مع أنه يعلم، بالطبع، أن هذا الشريك رجل. كما يمكنه، هو نفسه، أن يلعب دور الفتاة في خياله، مع أنه يعلم، بالرغم من قوة الاستيهام لديه، أنه رجل وسيبقى كذلك. ويبلغ الأمر، بالنسبة للشخص ذي الخيال الواسع، حد التمثيل المسرحي أمام نفسه لمقطع أو دور صغير بفنية عالية.
ويسوقنا وجود هذا الاستيهام إلى سؤال شائق: هل توجد جنسية مثلية خالصة؟ أو لنقل، هل هنالك موقف نفسي يغيب فيه تماماً هذا النوع من التخييل، ويرغب فيه رجل في رجل آخر – أو إمرأة في إمرأة أخرى – وان هذا التحول التخيلي؟ لاشك أن هنالك مثل هؤلاء الرجال والنساء – لا المخنثين، الذين لا تهمنا سيكولوجيتهم هنا، وإنما رجال ونساء لا يلعب التماثل والاختلاف في الجنس بالنسبة لهم أي دور، وينشدون إشباع الدافع الجنسي الخام وحده. إنهم يستخدمون الشريك ببساطة كأداة ، باعتباره الموضوع الأكثر توافراً. ومن المحتمل كثيراً أن يتخذ الأطفال قبل البلوغ أو أثنائه مثل هذا الموقف.
ونأتي الآن إلى سؤال آخر لم نعتد أن تطرحه السيكولوجيا المعاصرة: ماهو الموقف من الجنس الآخر بالنسبة للأشخاص الذين يفضلون أفراداً من جنسهم كموضوعات للحب؟ سيكون هذا موضوع الجزء الآخر من المقال.