الكثير من كتّاب القصص والقرّاء -على حدٍ سواء- يصبون اهتمامهم على أحداث القصة، بينما العنصر الذي يتملّكهم ويجذبهم في الحقيقة هو الشخصيات، وصراعهم داخل الحكاية.
هذا التصور يجعل الكتّاب -وصانعي الأفلام بالذات- يصرفون الوقت والجهد إما على: مفاجأة المتلقي بالحدث (بأي شكل من الأشكال)، أو على اجترار واستنزاف المشاعر من خلاله، بلا هدف واضح يصبّ في صالح القصة، ويأخذها إلى منطقة جديدة، ذاتِ معنىً أسمى.
بالتركيز على أحداث القصة على حساب الشخصيات، لا توجد مساحة للنمو والنضج والتعلم -سواءًا للصانع أم المتلقي- ويتوجه كلاهما للاستهلاك، بهدف الهروب من الحياة، لا بهدف تحسينها.
كما يسلكهم هذا التصوّر إلى الجمود، حيث أنه يؤكّد من القناعات ويرسّخها، ولا يعرّضها للمسائلة، ولا لتضارب أخلاقياتها بين بعضها البعض، ولكنه يتركهم في أماكنهم، ويبرر لهم تصرفاتهم. فيفرّغ كل منهم وجْدَه أمامه، ويتركه ملقىً هناك، ليعود ليومه التالي كما الأمس.
لذا، اعتقد بأن الأحداث ليست المحرك الأساسيّ للقصة؛ فكلنا نولد ونموت، نمرض ونتعافى، نتزوج وننفصل، نتوظف ونستقيل، نجوع ونأكل… وكلنا نحظى بحصصنا من المعاناة.
وحتى الأحداث الغير اعتيادية، لا ينبغي أن تكون محلًا للتركيز؛ فالقصة لا تنطلق من مفهوم التوعية -كما يفهمها البعض- وإنما القصة هي تجسيد للامعقول، للانهائي، للأحلام ، للامدرك.
وبذلك تخرج من إطارها الزمني والمكاني، بهدف الكشف عن الغامض والمجهول، لتحصيل معرفة جديدة.
القصة الجيدة باعتقادي، هي التي تمكّننا من الاقتباس منها، وتأطيرِها بشكل مختلف في حياتنا اليومية.
هذا الاقتباس ليس قائمًا على اختلاق أحداث جديدة بالضرورة: (فأغلب قصص روميو وجولييت -على سبيل المثال- يُحرَمان فيها عن الحب.. وتايتانك دائمًا تغرق آخر القصة.. ويصبح بينوكيو أخيرًا ولدًا حقيقيًا..) وإنما تقوم -بالمقام الأول- على اختلاق مفاهيم ومآلات جديدة للشخصيات داخل الأحداث، وإسقاط تجربتنا الشخصية عليها، أيّما كانت.
ليست العبرة في الحدث، ولا في مكان أو زمان القصة بالذات، وإنما في قرارات الشخصيات تجاه الحدث بشكل رئيسي، وذلك هو ما يتشاركه جميع البشر بكامل أطيافهم وثقافاتهم وطبيعة معيشتهم، وينبغي أن يكون هذا الأمر محل التركيز والاهتمام، للمتلقي والصانع.